التصعيد الهندي-الباكستاني.. الدبلوماسية الأمريكية أمام اختبار جديد

في ظل انشغالها بالأزمات في أوروبا والشرق الأوسط، قد تعتبر واشنطن أزمة الهند وباكستان شأناً ثانوياً، وهو ما سيكون خطأً فادحاً.
ويثير الصراع بين الهند وباكستان مجددا المخاوف من اندلاع مواجهة نووية، ومع تصاعد حدة القتال، فإن الولايات المتحدة أمامها الآن فرصة للتدخل دبلوماسيا ومنع المزيد من التصعيد، وبالتالي تعزيز مصداقيتها، وتجنب تكاليف باهظة قد تتجاوز لاحقا جنوب آسيا.
ووسط مخاطر المزيد من التصعيد، أصبحت استراتيجيات الاتصالات والإشارات التي كان من الممكن أن تخفف التوترات في الماضي أكثر هشاشة اليوم، فلا تترك السياسة القومية في كل من الهند وباكستان مجالًا كبيرًا لتعزيز ضبط النفس أو التسوية الدبلوماسية، وفقا لما ذكره موقع "ناشيونال إنترست" الأمريكي.
وأشار الموقع إلى أن تطور العقائد العسكرية لدى كلا الجانبين لصالح إعطاء الأولوية للردود العسكرية السريعة، أدى إلى زيادة احتمالات سوء التفسير والمبالغة في رد الفعل، ولا تعد عمليات إطلاق الصواريخ الهندية مجرد استعراض للقوة، بل تصعيد مدروس للرسائل الاستراتيجية.
وقد واجهت الولايات المتحدة هذا التحدي من قبل، ونجحت فيه خلال أزمة بولواما-بالاكوت عام 2019، عندما أدى تفجير انتحاري في كشمير إلى غاراتٍ جويةً هنديةً داخل باكستان، لعبت واشنطن دورًا حاسمًا في وقف التصعيد.
وفي ذلك الوقت، تواصل وزير الخارجية آنذاك، مايك بومبيو، مباشرة مع الهند وباكستان، واستغلّ الدبلوماسيون الأمريكيون شبكات غير رسمية، للتواصل مع شركاء إقليميين لإيصال رسائل خاصة تحث على ضبط النفس ودعت التصريحات العامة إلى خفض التصعيد دون توزيع اللوم.
وأظهرت هذه الواقعة أن المشاركة الأمريكية المبكرة والمدروسة على مستويات متعددة يمكن أن تمنح الهند وباكستان طرقا للخروج دون الظهور بمظهر المستسلم.
وربما لا تكون العلاقات الدبلوماسية وغير الرسمية قائمة بنفس الطريقة التي كانت عليها في 2019، إلا أن المبدأ الأساسي لا يزال قائماً.. فعلى الرغم من خطابهما العدواني لا تسعى الهند ولا باكستان إلى حرب شاملة، ولا إلى تبادل إطلاق نار نووي.
ويبحث البلدان عن سبل لتأمين مزايا سياسية محلية دون إثارة تصعيد لا يمكن السيطرة عليه ومع تقلص مساحة المناورة، وتتزايد أهمية التدخل الخارجي في الوقت المناسب بهدف تقليل المخاطر من خلال كسب الوقت، وتهدئة الحماس القومي، والحفاظ على الخيارات السياسية لخفض التصعيد.
ولدى واشنطن حوافز استراتيجية للتحرك؛ لأن تحقيق الاستقرار في جنوب آسيا سيُظهر أن القيادة الأمريكية لا تزال قادرة على تغيير مسارها بسرعة.
وسيعتبر حلفاء أمريكا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك تايوان، هذا الأمر بمثابة تعزيز للردع ضد الصين، كما أنه سيُطمئن الحلفاء بشأن قدرة واشنطن على البقاء ومصداقيتها، كما سيعزز قيادة الولايات المتحدة لجهود الحد من المخاطر النووية العالمية التي تتعرض لضغوط متزايدة.
وبالفعل، اتخذت واشنطن خطواتٍ أولية للحث على ضبط النفس، حيث تواصل كبار المسؤولين مع نظرائهم الهنود والباكستانيين لتشجيعهم على إيجاد "حل مسؤول" للأزمة.
ويجب تعميق جهود واشنطن الدبلوماسية بسرعة وعلى مستويات رفيعة وبشكل متسق وواضح ومستدام من خلال دعوات عامة مبكرة لضبط النفس، والحث على الوقف الفوري لجميع الضربات العسكرية وإطلاق النيران الحية على طول خط السيطرة.
ويمكن أن تتضمن جهود واشنطن أيضا إرسال إشارات عسكرية تتضمن منصات صاروخية، واتصالات خاصة رفيعة المستوى تشجع على إعادة تفعيل قنوات الاتصال في حالات الأزمات، والتنسيق الهادئ مع الجهات المعنية الإقليمية التي تحتفظ بإمكانية الوصول إلى كلتا الحكومتين، والتواصل العسكري المتبادل الذي يعزز أهمية تجنب المزيد من الأعمال العسكرية.
وتتماشى سياسة المشاركة الدبلوماسية المدروسة مع الأولويات المعلنة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي حذر دائما من العواقب الكارثية للحرب النووية، حيث تتفق جهود واشنطن مع هذه الأهداف، من خلال منع عدم الاستقرار النووي بتكلفة منخفضة والحفاظ على هامش استراتيجي لمنافسة القوى العظمى.
ويضر تفاقم الأزمة الهندية الباكستانية بشكل مباشر بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية الأوسع حيث يجبر التصعيد الهند على تحويل اهتمامها ومواردها بعيدًا عن دورها كقوة موازنة للصين، مما يقوض استراتيجية واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مما يخاطر بتعميق التوترات بين الولايات المتحدة والصين التي يرجح تورطها في الصراع بصفتها الشريك الاستراتيجي الرئيسي لباكستان.
وكانت إدارة ترامب قد اتخذت خطوات مبكرة لتعزيز شراكتها مع الهند وفي أعقاب هجوم كشمير الإرهابي، أعربت واشنطن عن دعمها الكامل للهند دون التواصل بشكل جوهري مع باكستان ومع ذلك، لدى الولايات المتحدة حافز استراتيجي للحفاظ على موقف أكثر توازناً.
وستضع مناصرة نيودلهي، واشنطن وبكين على طرفي نقيض في أي صراع هندي-باكستاني مفتوح، الأمر الذي سيعمّق التوترات الثنائية ويزيد من حدة المنافسة قبل أن تُعزز الولايات المتحدة بنيتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بشكل كامل.
وسيُضعف هذا الأمر آفاق التعاون الاستراتيجي مع الصين في المجالات ذات الاهتمام المشترك مثل الحد من المخاطر، وضبط الأسلحة، وأطر إدارة الأزمات.
ويمكن أن يحول التحرك الأمريكي السريع الأزمة إلى فرصة للتعاون الأمريكي-الصيني خاصة أن بكين دعت علنًا كلا الجانبين إلى "ضبط النفس" والعودة إلى الحوار والتشاور وهي الدعوة التي ينبغي أن تدعمها واشنطن علنا وأن تعرض العمل معًا لإنهاء الأزمة سلميًا.
ربما يدفع الانشغال بأزمات أوروبا والشرق الأوسط صانعي السياسات في واشنطن، إلى اعتبار أزمة الهند وباكستان كشأن ثانوي وهو خطأ فادح حيث يُظهر التاريخ أن المشاركة الدبلوماسية المبكرة والذكية يمكن أن تمنع وقوع كارثة.
ولا تحتاج الولايات المتحدة إلى التدخل عسكريًا، بل إلى الالتزام بدبلوماسية هادفة ومدروسة وتعاونية تحقق مكاسب استراتيجية وسياسية بأقل تكلفة.
aXA6IDE4LjExNy4xNzEuMTY5IA== جزيرة ام اند امز