ستهزم داعش وأخواتها وستزول دولتها، لكن البنية التحتية للفكر العنيف باقية، مادامت ركائزها باقية
ستهزم داعش وأخواتها وستزول دولتها، لكن البنية التحتية للفكر العنيف باقية، مادامت ركائزها باقية، وهي جملة من المفاهيم الدينية المغلوطة والتي جرى تحريفها وتحويلها بهدف خدمة الأهداف السياسية للجماعات الإرهابية في صراعها مع المجتمعات العربية وأنظمتها الحاكمة، وبهدف اقامة دولتها الإسلامية المزعومة... ما هي ركائز البنية التحتية للفكر العنيف؟
1. تحريف مفهوم الجهاد: شرع الجهاد، دفعًا للعدوان ورفعًا للظلم (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا)، فلا يكون الجهاد إلا لرد العدوان (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) فلا قتال لمن لم يقاتلنا، لكن هذا المفهوم السامي، تحول على أيدي دعاة العنف إلى عدوان وتفجير للنفس وترويع للآمنيين في المطاعم والمساجد والفنادق والأسواق، وتم اختطاف مفهوم الجهاد وتفجيره... على المؤسسات الدينية إصدار فتاوى حاسمة بأنه لا شأن للأفراد والتنظيمات بالجهاد القتالي، هو مهمة الدولة وحدها، فلا يجوز لأحد استنفار الشباب وتحريضهم على القتال ولا إنشاء ميليشيات أو تنظيمات جهادية أو إباحة العمليات الانتحارية، لأن كل ذلك افتئات على اختصاصات الدولة ومؤسساتها الرسمية، علينا إعادة الاعتبار للجهاد وتحصينه ضد المفهوم العدواني وترسيخة في التعليم الديني والخطاب الديني والفتاوى، وعلينا مقاضاة دعاة الجهاد العنيف وتحميلهم مسؤولية هلاك آلاف الشباب.
2. وباء التكفير: سلاح خطر، بالغت في استغلاله، كافة دعاة وجماعات العنف، لاستباحة دماء الأبرياء، كفروا المجتمعات والأنظمة القائمة اتباعًا لمنهج الخوارج في تكفير المجتمع الراشدي واستباحة الدماء، في مخالفة صريحة لثوابت الإسلام القاضية بحرمة دم المسلم وتجريم تكفيره مادام ناطقًا بالشهادتين، والقاعدة أنه لا يفتى بكفر مسلم متى أمكن حمل كلامه على محمل حسن... لا يمكن القضاء على وباء التكفير إلا بإصدار تشريعات وطنية تتيح للأفراد مقاضاة مشايخ التكفير. إن فتاوى التكفير من أقوى ركائز البنية التحتية للفكر العنيف، علينا مواجهتها وتفكيكها.
3. وصاية الأمر بمالعروف والنهي على المنكر: قال الإمام محمد عبده قبل مئة سنة: لا معروف أعرف من العدل ولا منكر أنكر من الظلم، لكن هذا المفهوم تم تحريفه عبر إنشاء شرطة دينية تلاحق الناس في تحركاتهم وتتفرغ لمراقبة تصرفاتهم والتدخل في خصوصياتهم والوصاية عليهم وفرض رأيها وقناعتها الدينية بالقوة القهرية عليهم، في مخالفة لتعالم القرآن والسنة بتأكيدهما على الحرية الدينية وعلى أن الدعوة لا تكون إلا بالحسنى، لكن هؤلاء صنعوا من الأمر بالمعروف، سلطة دينية رهبية.
4. قسوة الولاء والبراء: إذا كان القرآن الكريم أمرنا بعدم موالاة غير المسلم، فقد حدد ووضح بشكل حاسم، من هو غير المسلم المنهي عن موالاته، هو ذلك الذي يعادي المسلمين ويتربص بهم شرا، أما المسالم، فلا حرج في موالاته بل مودته (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم) فقد أباح الزواج منهم، فتكون الكتابية زوجتي، أم أولادي، ويكون أخوها، خال أولادي، فكيف يطالبوننا ببغض غير المسلم وقد قال تعالى (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا، الذين قالوا إنا نصارى) هل يستقيم عقلاً وخلقًا وإنسانية أن تبغض من يودك؟! علاقات دولنا بالعالم، في عرفهم، موالاة محرمة، وهو عرف فاسد، إذ لا يمكن الاستغناء في هذا العصر عن تبادل المنافع، في العلافات التجارية والعسكرية والتكنولوجية وإلا عاشت دولنا في عزلة وتخلف.
5. فتنة الحاكمية: أول من قال بالحاكمية، الخوارج القدامى، رفعوا شعار (لا حكم إلا لله) وهو شعار ضال ومضلل، فالحكم لله تعالى حقًا، ولكنه تعالى أعطانا حق صياغة مجتمعاتنا ودولنا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا بما يتناسب ومصالحنا، وفتح باب الاجتهاد في التشريع واسعًا في ظل الثوابت الشرعية، وقال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام (أنتم أعلم بأمور دنياكم) ولذلك قال الإمام علي (إنها كلمة حق يراد بها باطل) وهذا الباطل تلقفه المودودي أمير الجماعة الإسلامية في الهند في محاضرة له بلاهور 1934 وقال: إن نظرية الإسلام السياسية تقوم على (الحاكمية) مستدلاً بالآية (إن الحكم إلا لله) فضل وأضل الكثير: منهم سيد قطب في مصر الذي نظر لهذا المفهوم في كتابه (معالم في الطريق) فحكم على مجتمعاتنا بالجاهلية، وأضل كثيرًا من الشباب ودفعهم إلى مهاوي الهلاك، وساعد على استشراء العنف وانتشار الفوضى والفتنة.
نقلاً عن صحيفة الأيام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة