"دعم الطلاب" في غزة.. مبادرة لانتشال الأطفال من مستنقع الجهل
أحد التقارير الدورية الصادرة عن مؤسسة متخصصة أفادت بأن نسبة الفلسطينيين الذين يعتمدون على المساعدات الإغاثية وصلت إلى 80%.
من رحم المعاناة المتكررة سنويا خرجت بعض المبادرات الإنسانية لانتشال أطفال فلسطين من مستنقع الجهل ومساعدتهم في الالتحاق بالمدارس، من خلال تدعيمهم بالزي المدرسي واحتياجات الدراسة، وتعد مبادرة دعم الطلاب بالزي والقرطاسية في محافظة خانيونس، جنوب قطاع غزة، أحدث حلقة في سلسلة المساعدات.
مدارس الفقراء
وقال بلال قديح، المدير التنفيذي لمبادرة دعم الطلاب بالزي والقرطاسية لـ"العين الإخبارية": "هذه المبادرة أطلقت بدواعي الحاجة، وبعد دراسة مستفيضة لعائلات لم تستطع تأمين مستلزمات أبنائها المدرسية، ما تسبب في عدم ذهابهم إلى مدارسهم، وفق معلومات وصلتنا من المدارس".
وأضاف: "هؤلاء الطلاب قدروا بالمئات، لذلك كان لا بد من إيجاد حلول ولو مؤقتة لدعمهم وتأمين وصولهم إلى مدارسهم، بعد توفير الزي المدرسي والقرطاسية اللازمة، من خلال مبادرة دعمتها جمهورية جنوب أفريقيا".
وأشار إلى أن هذه المبادرة تدعم بين 800 وألف طالب من عوائل الفقراء والأشد فقرا، ويستفيد كل طالب فقير بمبلغ 150 شيكلا (45 دولارا)، وله حق اختيار احتياجاته من قرطاسية وملابس مدرسية".
الفقر وجه آخر للحصار
يحكي قديح عن واقع الفقر المستشري في قطاع غزة، مؤكدا أن الفئة الأكثر تضررا من طلاب مرحلة التعليم الأساسي، أي المرحلة الإلزامية للتعليم، لذا كان من الواجب التفكير في حمايتهم من الضياع، ومدهم باللوازم المطلوبة.
وأوضح أن المدارس تعمل منذ سنوات على إحصاء الأسر المحتاجة، وترفع قوائم بأسماء الطلاب الفقراء للهيئات والمؤسسات والجمعيات التي من شأنها دعم المجتمع المدني، وهذه الجهات تعد مشاريع متخصصة لمواجهة الفقر، ورغم ذلك فجميع هذه المشاريع والمبادرات تعمل على تسكين الأزمات المجتمعية، ولا ترتقي لمستوى الحلول الجذرية.
وتابع: "الواقع السياسي الذي يعيشه الفلسطينيون اليوم يلقي بظلاله المعقدة على الحياة العامة، ووصلت أضراره إلى مستويات المجتمع كافة؛ لذلك الأولويات يجب وضعها لمواجهة الانهيارات العامودية في المجتمع الفلسطيني، ودخول قطاع غزة حالة الحصار منذ سنوات، ما زاد الواقع تعقيدا، وأفشل الحياة الطبيعية التي كان من المفروض أن يعيشها سكان غزة".
ولا يرى قديح حلولا قريبة لكل هذا الواقع المأزوم، حتى المصالحة لم تعد من الأولويات المطروحة لدى السياسيين، مضيفا: "لذا كان لزاما على كل جهة منتمية حقيقة للإنسان الفلسطيني أن تجتهد لمنع الانهيار الكلي للمجتمع، وهذه المبادرة لدعم الطلاب الفقراء تعد نقطة في بحر الأزمات المعقدة".
اليد القصيرة ضحية
بدروه، أثنى يوسف الشنا، ولي أمر الطالبة سوسن، على المباردة، معتبرا أنها جاءت في وقتها الصحيح، قائلا: "لولاها ما استطعت تأمين لوازم ابنتي وأخيها لكي يدخلا المدرسة، فأنا عاطل عن العمل منذ 10 سنين، بحكم تعرضي لحادث عمل وإصابتي بعجز أفقدني القدرة على العمل".
وأضاف الشنا لـ"العين الإخبارية": "تم تحويلي لمؤسسة الشؤون الاجتماعية التي ترعى جزءا من احتياجاتنا المعيشية، لكن الوضع سيئ جدا، ونتمنى أن يتغير قريبا، وأطالب الجمعيات والهيئات المجتمعية بالعمل لدعم الفقراء في قطاع غزة، واليوم لأول مرة شاهدت سوسن تضحك من قلبها عندما حملت حقيبتها ودفاترها، وغدا سيكون أول يوم لها في المدرسة".
فيما تعتبر أم محمد الشريف المبادرة طوق نجاة لابنها، بعد أن أغلقت جميع الأبواب في وجهها لكي تشتري له لوازم الدراسة وتشجعه على الالتحاق بمدرسته.
وأوضحت لـ"العين الإخبارية": "ابني محمد في الصف السادس الابتدائي، مات أبوه بعد صراع طويل مع المرض، وأخوته الكبار عاطلون عن العمل، وإذا عملوا كان دخلهم متواضعا جدا، ولا يستطيعون مساعدتنا، لذا قرر محمد ترك المدرسة والذهاب للعمل في أي شيء حتى ولو كان التسول".
وأضافت: "لكني رفضت ذلك وسعيت ليحصل على مستلزماته المدرسية، وتوجهت إلى إدارة مدرسته للمساعدة، وعندما بلغت بوجود قسيمة شرائية لمحمد، فرحت وتوجهت للمعرض وأخذت قرطاسية محمد وزيه المدرسي، هذه الفرحة بالنسبة لي كبيرة جداً، وسأبقى بجانب ابني وتعليمه لأنه طالب ذكي، ولكن الظروف القاهرة هي من تتسبب في قتل أجيالنا وطمسهم وتجهيلهم".
واقع مأساوي
أما الأستاذ محمد عبدالحميد، مدرس بإحدى مدارس محافظة خانيونس الإعدادية، فيرى أن واقع التعليم بالنسبة للمرحلتين الابتدائية والإعدادية صعب للغاية في ظل الظروف القهرية التي يعيشها قطاع غزة منذ سنوات.
وأكد عبدالحميد لـ"العين الإخبارية": "استمرار هذا الواقع ينذر بتدمير البنى التحتية للتعليم في قطاع غزة، خاصة بعدما أحصينا عشرات الطلاب في المرحلة الإعدادية متأخرين عن مدارسهم هذا العام، بسبب عدم قدرة أهاليهم على شراء لوازمهم المدرسية، وهذه الأعداد غير مسبوقة حقيقة في هذه المرحلة الحساسة جدا".
وتابع: "من الأزمات الكبيرة التي تواجه الطلاب اليوم في المدارس الاكتظاظ العددي في الصف المدرسي الواحد، إذ وصل في بعض الأحيان إلى 60 طالبا في غرفة مدرسية لا تزيد مساحتها عن 50 مترا، إضافة إلى واقع المعلمين الصعب، وتدني مستوى رواتبهم، لكن كل هذا في كفة، والأخطر عدم قدرة الطالب على تأمين دفتر وقلم في كفة أخرى".
وأفاد أحد التقارير الدورية الصادرة عن مؤسسة متخصصة بأن نسبة الفلسطينيين الذين يعتمدون على وكالة الغوث للاجئين والمساعدات الإغاثية والشؤون الاجتماعية وصلت إلى 80% من عدد سكان قطاع غزة.
وقال علي الحايك، رئيس جمعية رجال الأعمال في قطاع غزة: "إن هذا العام الأسوأ اقتصاديا منذ 13 عاما، ويهدد قطاع التعليم بشكل كبير، وسبب هذا الواقع الحصار الإسرائيلي، والانقسام الداخلي"، مطالبا وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بمراعاة ظروف الطلاب وتقديم إعفاءات ومساعدات للطلاب، وإذا اضطر الأمر إلى إعفاء الطلاب من الزي المدرسي.