هدايا ذهبية لمكافحة التوتر وإيجاد السلام الداخلي
الراهبة البوذية الفرنسية، كانكيو تانييه، تشرح أهمية استقبال حياتنا بترحاب وكيفية الاستفادة من الهبات التي تمنحها لها.
إذا كنت تعاني بشدة من التوتر وترغب في الشعور بالسلام الداخلي في ظل وتيرة الحياة السريعة، هناك 3 مفاتيح ذهبية تعمل على تهدئة الذهن والجسد معا؛ وهي الراحة الشفهية والسكون البصري والسكينة الجسدية.
وتشرح الراهبة البوذية الفرنسية، كانكيو تانييه، أهمية استقبال حياتنا بترحاب وكيفية الاستفادة من الهبات التي تمنحها لنا.
التعلم من جديد
وتتولى تانييه بنفسها إدارة مدونتها (www.dailyzen.fr)، وكذلك صفحات خاصة بدير وبعض الجمعيات البوذية على شبكات التواصل الاجتماعي، وتعيش في تواصل دائم مع الطبيعة، كما تسمح لنفسها بالمرور على المدن الكبرى، حيث تجري أنشطة متباينة، مثل عقد مؤتمرات.
وعلاوة على كونها معالجة بالتنويم الإيحائي (المغناطيسي)، تعمقت هذه الراهبة التي تتبع مذهب "زن" -مدرسة بوذية تركز على التأمل وإيقاظ الوعي- في البرمجة اللغوية العصبية.
واعتمادا على معرفتها وخبرتها بشأن أداء المخ وعلى ممارساتها الروحية، طورت تانييه "بيداجوجيا" وهو (منهج تربوي) يقوم على الصمت، كأداة لنستعيد اتصالنا بعالمنا الداخلي وخفض مستويات التوتر والقلق والعوز لدينا والتوغل في مسار السعادة.
وتؤكد هذه الكاتبة أن "الصمت لا علاقة له بغياب الضوضاء، فهو أكثر ارتباطا بالتركيز والوعي التام".
وتوضح أن "الأمر يتعلق بتعلم السماع من جديد، والمسافة بين الكلمات، والهدوء بعد العاصفة، ومضي الزمن، وتعلم التذوق من جديد، وطعم لحظة، ونكهة طعام، وزَبَد الأيام، وسخونة النار، تعلم الشعور من جديد، وتواصل الأيدي، والقلب النابض، والمساحة التي تنفتح، والزمن الذي يتوقف".
وتقترح هذه الراهبة نشر "سحر الصمت" -وهو تحديدا عنوان أحدث كتاب لها- بأنواعه الثلاثة: "صمت الكلمات، لنتمكن بحق من إدراك ما يحدث، والصمت البصري، كي تعرف أنظارنا الاستغناء عن المعلومات غير المفيدة، والصمت الجسدي، كي نتعلم الاستماع لما تقوله لنا أجسادنا".
وهذه الأنواع الثلاثة من الصمت هي الهدايا السحرية المناهضة للتوتر التي يمكن أن تغير حياتنا، وتشرح لنا تانييه كيف نطبق هذا السحر عبر تدريبات بسيطة شاركتها مع (إفي) بشكل حصري.
الراحة الشفهية (صمت الكلمات)
تقول تانييه إن "الكلمات تتيح لنا التواصل وتجعلنا نفهم، ونحدد الأشياء ونرسم المحيط، ولكن علينا أيضا أن نتعلم السكوت والتزام الصمت والملاحظة، وهذا ترف عظيم".
وتستشهد بعبارة فصيحة للمفكر الفرنسي نيكولا شامفور: "من بين كل أولئك ممن ليس لديهم ما يقولونه، الأكثر لطفا هم من يلتزمون الصمت".
كما تنصح أيضا بأن نوقف، بقدر ما يمكن، الكلمات التي لم نتفوه بها والتي ما زالت تصطف داخل أذهاننا، "مصدرة صوتا داخليا مليئا بالأفكار والتأملات".
وتدعو الراهبة البوذية أيضا إلى إراحة الفك وبذل مجهود كبير كي لا نتحدث خلال 5 دقائق، لنركز اهتمانا على اللسان ونتعلم كيف نرخيه تماما.
وتتابع: "حين نتلفظ شيئا بل حين نتحدث مع أنفسنا ذهنيا يتحرك اللسان أيضا، وإذا تمكنا من ترك هذا العضو مسترخيا جدا، يقل عدد الأفكار وحوارنا الداخلي".
السكون البصري (صمت الشاشات)
توضح تانييه في حديثها لـ(إفي) أننا "حين نقفز من شاشة لأخرى -من الحاسوب اللوحي إلى التلفاز، مرورا بالهاتف- بشكل آلي وعلى مدار اليوم بأسره، فإننا نعلق في واقع افتراضي يؤجج، في أغلب الأحيان، جوانب النقص والضعف العاطفية لدينا ويسبب لنا نوعا من القلق والتوتر".
وكلما زاد اتصالنا بالعالم الافتراضي وتأثرنا بالتنويم الإحيائي للشاشات والتلوث البصري، زادت غفلتنا بالمكان الذي نوجد به وتشتت انتباهنا عن الواقع".
وتقدم الكاتبة لنا تدريبا يمكن أن يفيد في الاسترخاء البصري.
نضع كل صباح راحتي يدينا على عينينا خلال دقيقة أو دقيقتين، ما سيحملنا إلى داخل أنفسنا، عبر خلق نوع من الفقاعة تحيط بنا، وداخلها يمكن أن نسترخي ونتخلص من التوترات.
السكينة الجسدية (صمت الجسد)
كثيرا لا ندرك أهمية الجسد، ليس من منظور جمالي فقط، بل انطلاقا من اليقين بأنه على صلة وثيقة بالواقع، وأنه علاوة على ما يقوم به من عمليات حيوية مثل التنفس والهضم، يختبر انفعالات ويتأثر كثيرا بها، وفقا لتانييه.
وتؤكد الخبيرة في مذهب زن أن "الابتعاد عن الجسد يتيح التخلص من أي انفعال سلبي والبقاء على سطح الأمور، ولكن أحيانا يظهر انفعال غير مسموع -كالتوتر طويل الأمد أو الحزن أو الاستياء اليومي- في شكل ارتفاع ضغط الدم أو قرحة بالمعدة أو إكزيما".
وتسترسل: "في هذه الحالات، يكسر الجسد حالة الصمت الطبيعي الخاص به، ويصرخ بطريقته عبر الأمراض النفسية - الجسدية (السيكوماتية) ليرسل للمخ رسالة، طلب تغيير".
وكذلك تشير إلى أن الناس لا يتبعون في المعتاد قواعد الرفاه الجسدي، وإحدى أبسط هذه القواعد تتمثل في اتباع نموذج القطط، فهي "حين تغير وضعها الجسدي تتمطى، والتمطي، كلما أمكن للمرء، مهم جدا كي يشعر بأنه مازال حيا".
هناك تدريب آخر تقترحه المؤلفة لتنشيط حضورنا الجسدي، وهو الجلوس في صمت مع إدراك الانفعالات التي يشعر بها الشخص داخل جسده.
وتلفت تانييه إلى أن الأمر يتعلق بالاستغراق في "ملاحظة ما يحدث، عبر حالة داخلية من الاستقبال غير المحدود. ملاحظة كل شيء، كما لو كنا مرآة كبيرة فضولية، مع ترك كل شيء يختفي بذات السرعة التي ظهر بها".
وتشدد كانكيو تانييه على أن "الممارسة المعتادة والمستدامة لهذه الأنواع الثلاثة من الصمت هي السبيل الوحيد للوصول إلى الإدراك الذاتي، ولكن بدرجة بدائية، غريزية، طبيعية، تجعلنا نجد من جديد طبيعتنا الأصلية، وحين نكون أكثر اتصالا بحياتنا الحقيقية البسيطة، نشعر بسعادة أكبر".