محمد الدلو.. شاب فلسطيني يقهر إعاقته بالفن ويطمح للعالمية بإصرار
"العين الإخبارية" زارت الشاب محمد يونس الدلو في منزله بمدينة غزة، ليفرش أمامها لوحاته، ويضع بعضاً من إبداعه وزخارفه.
خلف كل باب للتحدي فضاء يدخله محمد يونس الدلو بإرادة الشاب الطموح، لكي يُثبت أن الحياة تُعاش ولو لم يهب الله للإنسان جسداً كاملاً، ما دام العقل يعمل، والإرادة موجودة، فالضمور الجسدي والمشاكل الصحية قد تتسبب في إعاقة العطاء بعض الوقت، لكنها لا تخنق الأمل، إذا ما تفتحت زهرة الإبداع في أرض الوجود بمجداف التميز ومحراك الطموح.
واستطاعت غزة التي تقف أمام البحر وفي بطن حصارها أن تأخذ بيد الشاب الذي وصل 24 عاماً من عمره، دون أن تلمس قدماه الأرض، وجسده لم يستقم للأفق ولو مرة منذ الولادة، وتميزه عن الكثير من أبناء جيله، ليكون فناناً بريشة وقلم رصاص، وعقل يتفتق إبداعاً، وأفكاره تنتفع منها كبرى شركات القطاع الخاص في مجال الدعاية والإعلان.
"العين الإخبارية" زارت الشاب محمد يونس الدلو في منزله بمدينة غزة، ليفرش أمامها لوحاته، ويضع بعضاً من إبداعه وزخارفه، مستعيناً بوالده الذي يحرك جسده بين فترة وأخرى ليأخذ وضعاً مريحاً فوق أريكته.
بدايات للتغلب على الملل
وقال محمد الدلو: "درست المرحلة الابتدائية والإعدادية بتفوق ملحوظ رغم مرضي الشديد، وتواجدي في المستشفيات أكثر من وجودي في البيت، وعندما وصلت إلى الثانوية العامة واقتربت من الحصول على شهادة التوجيهي، ساء وضعي الصحي كثيراً، ولم أتجاوز الثانوية العامة، ولكنني اكتشفت موهبة الرسم لديّ، فبحثت في مواقع إلكترونية عن مواهب الرسم وأصول هذا الفن، حتى بدأت برسم أولى لوحات (الأنمي) للرسوم المتحركة التي أشاهدها عبر التلفاز".
وأضاف: "ويوماً بعد يوم وبقلم رصاص لا ممحاة له قمت برسم ما أتخيله على الورق الأبيض وأجسده واقعاً، وبدأ المحيطون بي يلاحظون رسوماتي، فأخذت بيدي والدتي، ودعمني أبي، ملبياً لي طلباتي المتكررة من أقلام ودفاتر رسم وأوراق غالية الثمن، وفحم للضرورة، حتى أدرك الجميع من حولي أن موهبةً غير عادية تتملكني، فدخلت مرحلة الظهور خارج البيت، والتفكير بالمعارض والمشاركة بالفعاليات والخروج إلى المراكز الإبداعية التي تعتني بأصحاب الاحتياجات الخاصة، حتى كونت فريقاً تطوعياً، وانطلقنا لتنفيذ أول معرض (أنمي) في قطاع غزة".
وتابع محمد الدلو بقوله: "في عام 2015 نفذت أول معرض صور (أنمي) في قطاع غزة، وكان تحت عنوان (الأنمي حياتي)، الذي لاقى نجاحاً منقطع النظير، ولم يغلب على ظهوري بجسدي الضئيل أمام الناس أي نوع من الحرج، بل استطعت أن أندمج بالمجتمع العام بشكل سريع وأتعامل مع الجميع بشكل طبيعي، والمجتمع قبلني كما أنا، ونظر إلى ما أقدمه من رسومات مرحباً بها، ليس لأنها من يدي كأحد أصحاب الهمم، بل بما أبدته هذه الرسومات من إبداع، وما قدمته من أفكار، بريشة وألوان وقلم رصاص أحياناً، عندها شعرت أنني تجاوزت بفني أبناء جيلي، وحققت بعضا من حلمي الكبير".
الإبداع يقهر الإعاقة
محمد الدلو الذي وُلد عام 1994، وتوقف عن الدراسة عام 2011، دخل إلى ميدان الفن مبتكراً لوحاته من خيال كامل النضوج، فمن "الأنمي" دخل إلى الفن التعبيري، ومزج بين الإبداعين، ليخرج لوحاته بطريقة لافتة للنظر، وليدخل بعدها مجال "المانيدالا" وهو فن رسم يتميز به الهنود، وقريب من الزخرفة الإسلامية، فأخذت رسوماته طابعاً مختلفاً، وفتحت له مجالاً أوسع للتعبير عن موهبته المخزونة في عقله، فثابر من أجل إخراجها، فسهر الليالي الطوال من أجل ذلك، مستذكراً بداياته التي كان يخطف فيها الوقت في ظلمة الليالي لكي يتعلم وحيداً، مستغلاً جهاز الكمبيوتر الوحيد في المنزل والجميع نيام، ليحلق في الفضاء الإلكتروني، ولكن هدفه شاخصاً أمامه، فمن كل بلد التقط معلومة أو أكثر، ومن كل معرض صورا اكتسب ذائقة الفنان، ومن كل تدوينة اصطاد فكرة، حتى اجتمعت له أصول الفن بمقتضيات ما حصد، فأخرج رسوماته، لتزداد أمامه، وتتطور موهبته، وجمع بين ثلاثة أجناس ليتميز فيها باعتراف الفنانين الكبار.
وأوضح الدلو: "منذ أن اكتشفت موهبتي وأنا أنظر إلى جسدي المرمي على الأريكة بكثير من الرضا، لأن إعاقته لم تحرمني من أن أحفر اسمي في الوجود، وأن أكون علماً في عالم الرسم، ومبدعاً يشار إليه بالبنان، حتى شعرت في لحظة ما أن ذوي الاحتياجات الخاصة حمّلوني رسالتهم لترجمتها أفكاراً فرسومات، وهذا كان متحققاً عندما نفذت معرضاً خاصاً بعنوان (أمنياتي) يعكس هموم هذه الفئة في المجتمع، فطارت رسالتهم وحطت أمام كل مسؤول في البلاد، لتؤكد أن أصحاب الاحتياجات الخاصة ليسوا أقل قدرة من سواهم، ولا ينقصهم إبداع ولا تميز، ورضيت بما حصدته من هذا المعرض، وكررت مشاركاتي في معارض عامة للرسم حتى وصلت إلى 15 مشاركة، حُمل فيها جسدي بطريقة خاصة لكي أشهد على نجاحاتي، وأقرأ في عيون الناس رضاهم عني، وقبولهم لما أقدمه".
العالمية بوابة ممكنة
من جهته، قال والد محمد الدلو: "محمد ابني الثاني، والأول أيضاً من أصحاب الهمم، ولكنه يجلس على كرسي متحرك، وتخرج مهندساً في الجامعة، ولكن الطب فشل في تصميم كرسي خاص لجسد محمد، ورغم ذلك استطاع أن يتجاوز إعاقته بفن الرسم، وتميزه في هذا المجال، فهو على صغر سنه مثقف جداً، وبالكاد تراه بعيداً عن كتاب أو مجلة، خلاف ممارسته للرسم بوسائل متعددة، بدأت بقلم رصاص، ولم تنته بعد بالرسم عبر المحمول واللاب توب، ومزج الألوان بطريقة جعلت من فنه مدرسة، أنا فخور بمحمد ولا أجد فيه غير الشاب المكتمل الطموح، الذي يطرق باب العالمية بقوة، فمشاركته في المعارض الخارجية مسألة وقت، وليس موهبة أو إمكانيات، ولكن واقع قطاع غزة المعقد يبدو أشد وطأة على محمد من إعاقته الجسدية، ولكنه ماضٍ بخطى واثقة وهمة عالية نحو غايته".
محمد الذي يعيش موهبته بسعادة بالغة أصبح اليوم عنواناً لكثير من الذين يريدون أن يستفيدوا من هذه الموهبة في مجال الدعاية والإعلان بعد نجاحه الكبير في إقناع شركات قطاع خاص كبرى في فلسطين وعبر الإنترنت برسم "لوجوهات" متميزة لها، الأمر الذي فتح على محمد باباً للرزق، يستطيع من خلاله تحقيق تمام حلمه، وممارسة موهبته بعقل مبدع، وفكر منير، رغم الجسد الضئيل، وشلل كامل في الحركة.
aXA6IDE4LjExNi44MS4yNTUg جزيرة ام اند امز