أمين الاتحاد العالمي للطرق الصوفية لـ"العين الإخبارية": الإمام علي أعطاني إذن بداية سيرة مسلسلة لأهل البيت (حوار)
امتدت علاقة المصريين بأهل البيت النبوي بداية من القرن الأول الهجري، واستمرت حتى الآن، وازدادت قوة مع الزمن.
على مدار التاريخ صدرت عشرات أو مئات الكتب عن شخصيات أهل البيت النبوي في العديد من دول العالم الإسلامي، وكانت هناك زيادة مفرطة في هذه الكتب في مصر، باعتبارها من أكثر الدول التي هاجر إليها أهل البيت النبوي خلال العهدين الأموي والعباسي، والدولتين المملوكية والأيوبية.
مؤخرًا، انطلق أول مشروع مصري لكتابة تاريخ من نوع خاص، تاريخ الإسلام من زاوية التركيز على أهل البيت فقط، حيث هم محور هذا التاريخ وعناوينه الرئيسية.
لأول مرة في التاريخ الإسلامي يتم تجميع تاريخ جميع شخصيات أئمة أهل البيت وذريتهم في موسوعة واحدة ممتدة تاريخيًا من العهد النبوي حتى الوقت الراهن في موسوعة "سيرة أهل البيت".
هذا المشروع تولاه الدكتور عبدالحليم العزمي، الأمين العام للاتحاد العالمي للطرق الصوفية، وعضو اتحاد كُتاب مصر، منذ 15 عامًا، ولم ينتهِ منه حتى الآن.
"العين الإخبارية" حاورت العزمي لمعرفة تفاصيل هذا المشروع الضخم وكيف كانت بدايته؟ وأهدافه النهائية؟ فإلى نص الحوار..
بداية.. كيف جاءتكم فكرة تجميع تاريخ أهل البيت؟ ومتى بدأتم تحديدًا؟
في عام 1998 تحديدًا، وأثناء سفرنا بالسيارة إلى ليبيا لحضور مؤتمر عن التصوف مع الدكتور السيد علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية ورئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية، عرف السائق نفسه بأنه من الأشراف- نسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم-، فلما سأله السيد أبو العزائم عن ابنة سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنهما التي تزوجها رسول الله، أجاب بأنها السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وكان هذا صدمة لنا، فإذا كان بعض الأشراف لا يعرفون تاريخ أجدادهم، فكيف بعامة المسلمين.
لذلك كلفني السيد علاء أبو العزائم في نفس العام بتدريس السيرة النبوية، فبدأنا ندرسها على ندوات شهرية استمرت من عام 1998 حتى عام 2007م سميناها "الليالي المحمدية"، وكنا ندرسها في 22 مدينة مصرية بعضها استمر للنهاية وبعضها توقف، لكننا أتممناها في النهاية، واكتمل المشروع الذي سميناه "السيرة النبوية للإمام أبي العزائم".
وما المنهج الذي اتبعتموه في تدريس السيرة النبوية؟
كان الأساس لدينا في تدريس السيرة النبوية في الليالي المحمدية كتاب "النجاة في سيرة رسول الله للإمام أبي العزائم"، حيث قمنا بشرحه والتعليق عليه ومقارنته بـ٢٥ كتاب سيرة نبوية.
واعتمدنا على الأمانة الشديدة فى النقل من علماء السيرة وغيرهم، مع إبراز الجديد الذي جاء به الإمام أبو العزائم، وقمنا بترتيب الأحداث بصورة جديدة غير مسبوقة، ويظهر ذلك فى العديد من الموضوعات كـ (الإسراء والمعراج- الهجرة- الغزوات- الرسائل- الوفود.. وغيرها).
ومتى بدأتم سيرة أهل البيت؟ ولماذا؟
في نهاية السيرة النبوية وجدنا أن النبي كان يعد أهل بيته ليكونوا التطبيق الصحيح للإسلام، والمرجعية العلمية والروحية للمسلمين، وأنه دلل بأحاديثه النبوية التي يصعب حصرها على ربط الأمة بأهل بيته، وكان الصحابة واعين لهذه النقطة، ولذلك قال سيدنا أبو بكر بعد انتقال النبي للرفيق الأعلى للمسلمين: "ارقبوا محمدًا في أهل بيته" كما في صحيح البخاري. وقال سيدنا عمر بن الخطاب: "لولا علي لهلك عمر".
بعد نهاية تدريس الليالي المحمدية توقفنا 4 أشهر، وكان السيد علاء أبو العزائم يؤكد على ضرورة عدم البدء بها إلا عندما يأتي إذن، وبدأنا في شهر شوال عام 2007 ميلاديًا.
إذن مَن؟ أليس هو صاحب فكرة التدريس؟
عند الصوفية لا يزار الولي إلا بإذنه، ولذا كانت رؤيته بألا يتم الحديث عن أهل البيت إلا إذا جاءت علامة منهم على قبولهم أو إذنهم بهذا العمل.
لذلك توقفنا 4 أشهر لا ندرس فيها شيئًا؛ حتى رأيت رؤيا منامية للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعطيني الإذن بالبدء في السيرة، وقد أقرها السيد أبو العزائم، وبدأنا ليالي "أهل البيت"، وكانت الليلة الأولى من ليالي أهل البيت عن ميلاد الإمام علي.
وما المصادر التي اعتمدتم عليها في سيرة أهل البيت؟
المصادر كانت تمثل أزمة بالنسبة لي في البداية، حيث كان أغلبها ليس متوفرًا، لكنها أصبحت تتوفر مرحليًا، كانت المرحلة الأولى في العهد النبوي، مرجعيتها كتب التاريخ وكتب السيرة النبوية.
ثم جاءت المرحلة الثانية مع الخلفاء الراشدين، واعتمدنا فيها على كتب التاريخ والتراجم وكتب سير الإمام علي، ثم مرحلة أهل البيت في خلافة الإمام علي والإمام الحسن رضي الله عنهما.
وبعد ذلك اعتمدنا على كتب السير والشخصيات التي تحدثت عن أئمة أهل البيت وعلاقتهم بمحبيهم ومريديهم، ففي الفترة الأموية والعباسية اعتمدنا على كتابات أتباع أهل البيت في المشرق العربي، وهي المرحلة التي وصلنا إليها الآن.
ومع هجرة أهل البيت للمغرب العربي في ظل دولة الأدارسة، سنعتمد على المصادر التاريخية لعلماء المغرب العربي، ومع هجرة أهل البيت إلى مصر في العهدين الأيوبي والمملوكي سنعتمد على المراجع التاريخية المصرية التي أرخت لوجودهم وأدوارهم التاريخية، وستكون المرحلة الأخيرة مع الإمام أبي العزائم وسنعتمد فيها على تراثه وما كتبه تلاميذه ومعاصروه.
هناك بعض النقاط الساخنة في التاريخ الإسلامي عليها خلاف بين المذاهب المختلفة، فكيف تعاملتم معها؟
في الحقيقة من البداية كان لدينها منهج واضح، هو إظهار جوانب المحبة بين الصحابة وأهل البيت، والتركيز على العلاقة الطيبة والقوية بين الإمام علي رضي الله عنه والخلفاء الراشدين الثلاثة سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان رضي الله عنهم، وتصحيح بعض المعلومات الخاطئة في هذه المرحلة.
وبداية من أحداث الفتنة الكبرى والعصرين الأموي والعباسي، عرضنا المواقف بتجرد تام من خلال الوقائع التاريخية؛ لنعطي للمتلقي أو القارئ الحكم بنفسه على الأحداث والأشخاص.
منهجنا في سيرة أهل البيت هو الوصول إلى نقطة وسط تجمع الأمة الإسلامية على تاريخ واحد خالٍ من الكثير من المغالطات والروايات المدسوسة، ولذلك نراعي وحدة المسلمين دومًا.
وكيف تقدمون أهل البيت في كل وقت؟
نقدم إمام أهل البيت باعتباره مرجعية الأئمة وقدوة أهل زمانه أو وقته، ونعرض مظاهر الانحراف الفكري في عصره، ودوره في معالجة هذه الانحرافات.
كما نركز على مدرسة الإمام العلمية ودوره في بث العلوم لأهل زمانه أو وقته، ودوره في بناء جماعة صالحة تكون قدوة للأمة الإسلامية، ونركز على الجوانب الأخلاقية والمواقف البطولية للإمام وأتباعه.
ما أصعب حدث مر عليك أثناء تدريس ليالي أهل البيت؟
ليس هناك أصعب من أحداث يوم كربلاء الذي استشهد فيه الإمام الحسين رضي الله عنه ومعه 70 رجلاً من خيرة أهل بيته ورجاله المخلصين، ومن بداية تدريس سيرة أهل البيت كان لدي تخوف من رواية هذه الأحداث الصعبة؛ لكنني قمت بعرضها بتفاصيلها.
وقد تلمست أثر هذه الأحداث في متابعي الليالي، حتى إن بعضهم ما زال متأثرًا بها رغم مرور أعوام على تدريسها.
ولماذا عرضتها مادامت صعبة؟
لأنها كانت مأساة شاملة، ولأننا نعتبر الإمام الحسين نهضة إصلاحية متكاملة، ويُعتبر رجاله من أخلص أتباع الأئمة عبر العصور، وقد وصفهم بقوله: "لا أعْلَمُ أصْحابًا أوْفَى وَلا خَيْرًا مِنْ أصْحابي، وَلا أهْلَ بَيْتٍ أبَرَّ ولا أوْصَلَ مِنْ أهْلِ بَيْتِي".
فكانت تجربة يقدم فيها إمام أهل البيت وأتباعه كقدوة في مواقف كثيرة، وفي الاستبسال على قول كلمة الحق مهما كان الثمن، وفي الثبات على الموقف حتى لو حاربتهم كل جيوش العالم الإسلامي وقتها.
أين وصلت في تدريس سيرة أهل البيت؟ وما هدفك النهائي؟
الآن نحن في مرحلة الدولة العباسية، وتحديدًا مع سيرة الإمام محمد الجواد رضي الله عنه، وسنسير مع أئمة أهل البيت في المشرق، ثم ننتقل مع هجرة أهل البيت من المشرق للمغرب العربي.
سنبقى في المغرب ندرس أحوال أهل البيت في زمن دولة الأدارسة، ثم ننتقل مع هجرتهم إلى مصر في العصرين الأيوبي والمملوكي وما تلاهما، ونبقى مع أهل البيت في مصر، وننتهي بسيرة الإمام أبي العزائم، باعتباره آخر الأئمة المجددين من أهل البيت، والذي أقام في مصر، وحارب الاستعمار الإنجليزي في مصر والسودان، وعاصر فترة سقوط الخلافة العثمانية، وما تبعها من تحولات سياسية واجتماعية وثقافية على مستوى العالم الإسلامي أجمع.
منذ بداية ربيع الثاني انطلق مولد الإمام الحسين في مصر، ومن وقتها تتكرر الاحتفالات بالموالد بشكل أسبوعي.. فلماذا هذا الارتباط الشديد بين المصريين وأهل البيت؟
في البداية أحب أن أوضح نقطة، هذه الاحتفالات خاصة بالمصريين، فلا يحتفل بها غيرهم، فمثلا مولد الإمام الحسين في مصر هو ذكرى استقرار رأسه الشريف في مصر، ومولد السيدة زينب هو ذكرى قدومها إلى مصر، حيث كان في الثلاثاء الأخير من شهر رجب، وهو اليوم الذي خرج المصريون بالآلاف لاستقبال موكب أهل البيت النبوي بقيادة السيدة زينب وغيرها من أفراد العترة النبوية.
أما مولد السيدة نفيسة فهو اليوم الذي رأى فيه زوجها إسحاق المؤتمن بن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنهم رؤيا منامية لرسول الله يأمره بإبقائها في مصر استجابة لطلب المصريين الذين عارضوا رغبة زوجها في نقلها للمدينة المنورة، وعرضوا عليه الكثير من المال ليتركها، فجاء أمر النبي: "يا إسحاق رد على الناس أموالهم وادفنها عندهم".
لذلك تجد أن هذه المناسبات هي خاصة بالمصريين دون غيرهم، فهم لا يحتفلون في الغالب بتاريخ ميلاد الشخصية أو تاريخ انتقالها لجوار ربها، لكنهم يحتفلون بالذكرى التي تربط مصر بهذه الشخصية.
والمصريون يعتبرون أن أهل البيت هم سبب بركة وحفظ مصر، والعلاقة بين أهل البيت والمصريين علاقة محبة متبادلة، ويكفينا أن موكب أهل البيت الذي جاء مصر بقيادة السيدة زينب وقف أمام جموع المصريين وقال أهل البيت جميعًا وعلى رأسهم السيدة زينب للمصريين: "يا أهل مصر، نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً".
لذلك نرى أن أي أزمة تمر بها مصر مهما طالت فإن الله سيكتب لها مخرجًا منها وفرجًا استجابة لدعوة أهل البيت، وما تدريسنا لسيرة أهل البيت إلا لتعزيز هذه المكانة وزيادة الارتباط بين المصريين وأهل البيت، ارتباطًا لا يقوم على المحبة القلبية فقط، ولكن ارتباط الفاهمين الواعين لتاريخ وقدر هذه الشخصيات وعلومها وأخلاقها، فتقتدي بها، ويتحول المجتمع للأفضل خلقيًا ومعرفيًا وثقافيًا وعلميًا.
aXA6IDE4LjE5MS4xOTUuMTA1IA== جزيرة ام اند امز