أمعاء النمل الأبيض.. من لعنة قرية مصرية إلى أمل للطاقة النظيفة (خاص)
في قرية الدير التابعة لمركز إسنا بمحافظة الأقصر، لم يكن أحد يتوقع أن يتحول كائن صغير بحجم حبة الأرز إلى مصدر رعب حقيقي.
وخلال أيام قليلة، انهارت ثلاثة منازل قديمة، بعدما نخرت جيوش من النمل الأبيض الأخشاب التي تستند إليها أسقف البيوت، تاركة الجدران بلا عصب يحملها.

وأكد شهود عيان من القرية لعدة مواقع صحفية، أن انتشار النمل الأبيض والتهامه للأجزاء الخشبية في المنازل القديمة أدى إلى إضعاف بنيتها الإنشائية، ما تسبب في انهيارها دون وقوع إصابات بشرية، لكن مع تصاعد مخاوف الأهالي من تكرار السيناريو ذاته في بيوت أخرى.
وأعادت أعادت إلى الواجهة أسئلة قديمة متجددة، حول: كيف يستطيع النمل الأبيض إسقاط منازل كاملة؟ ولماذا ينتشر بقوة في القرى القديمة؟ وهل يمثل تهديدا صامتا للمباني المشيدة بالطوب اللبن أو المعتمدة على الأخشاب في التسقيف؟
لكن المفارقة اللافتة أن هذا "العدو الخفي" نفسه، الذي يُتهم اليوم بتدمير بيوت قرية مصرية، يقف في قلب أبحاث علمية حديثة بوصفه أحد أكثر الكائنات الواعدة في إنتاج الطاقة النظيفة.
من الخراب إلى المختبر
وفي دراسة علمية نُشرت حديثًا في مجلة " إنفايرومنتال كيمستري آند إيكوتوكسيكولوجي" ، كشف فريق بحثي يتزعمه د.سامح علي، الباحث المصري بمعهد الوقود الحيوي بكلية هندسة البيئة والسلامة بجامعة جيانغسو الصينية، أن السر الحقيقي لقوة النمل الأبيض لا يكمن في فكيه، بل في أمعائه، وتحديدا في الكائنات الدقيقة، خاصة الخمائر،التي تعيش داخل جهازه الهضمي.
وهذه الخمائر تمتلك قدرات استثنائية على تفكيك المواد العضوية المعقدة، وعلى رأسها اللجنين، وهو المكون الصلب الذي يمنح الخشب قوته ويجعل تحلله في الطبيعة بالغ الصعوبة. وبفضل هذه القدرة، يستطيع النمل الأبيض التهام الأخشاب التي تُعد العمود الفقري لبيوت القرى القديمة، غير أن العلماء رأوا في هذه الشهية المدمرة فرصة ذهبية.
وقود من قلب المشكلة
الدراسة توضح أن خمائر أمعاء النمل الأبيض لا تكتفي بتكسير المركبات المعقدة، بل تستطيع أيضًا تحويل نواتج هذا التكسير إلى دهون حيوية يمكن استخدامها لاحقا في إنتاج الوقود الحيوي (الديزل الحيوي).
والأكثر إثارة أن هذه الخمائر قادرة على التعامل مع نفايات صناعية شديدة السمية، مثل مخلفات صبغات الأقمشة (الأصباغ الآزوية)، ومخلفات اللجنين الناتجة عن صناعات الورق والزراعة، وهي نفايات تُنفق مليارات الدولارات سنويًا لمعالجتها بطرق مكلفة وملوثة، بينما تقترح الدراسة استغلال "مصنع النمل الأبيض الهضمي" كحل مزدوج لتنقية البيئة وإنتاج طاقة نظيفة.
لماذا أمعاء النمل الأبيض مختلفة؟
ويشرح الباحثون أن أمعاء النمل الأبيض تمثل بيئة فريدة خالية من الأكسجين، غنية بإنزيمات نادرة مثل اللاكاز والبيروكسيداز، وقادرة على تفكيك جزيئات يعجز كثير من البكتيريا والفطريات عن التعامل معها.
وهذه المنظومة الطبيعية المعقدة هي نفسها التي تُمكن النمل الأبيض من هضم الخشب، وهي أيضا ما قد يمكن البشر مستقبلامن تحويل المخلفات السامة إلى مصدر طاقة مستدام.

تحديات قبل الحلم
ورغم هذا التفاؤل، تحذر الدراسة من أن الطريق لا يزال طويلًا. فالتطبيق الصناعي يواجه عقبات مثل: انخفاض كميات الدهون المنتجة حاليًا، صعوبة التوسع الصناعي، وحساسية هذه الخمائر للمواد السامة.
لذلك يقترح الباحثون حلولًا متقدمة، تشمل التعديل الوراثي باستخدام تقنيات "كريسبر"، تصميم مفاعلات حيوية متعددة المراحل، وشراكات بين الجامعات والصناعة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز