100 ألف أفغاني في فرنسا.. مخاوف من «مناطق الظل»

في وقت تعاني فيه فرنسا من توترات اجتماعية واقتصادية متزايدة، تتصاعد التحديات التي تواجه الدولة على مختلف الأصعدة، ما يثير تساؤلات حول قدرتها على التعامل مع الأزمات المتلاحقة، خاصة في ما يتعلق بالهجرة والاندماج.
وفي هذا السياق، تكشف مذكرة جديدة أعدّها المدير العام لمكتب الهجرة والاندماج الفرنسي، ديدييه ليشي، لصالح مؤسستي Fondapol ومرصد الهجرة والديموغرافيا، عن ظاهرة هجرة جماعية غير مسبوقة من أفغانستان إلى فرنسا، ما يسلّط الضوء على تحوّل ديموغرافي قد يكون له انعكاسات بعيدة المدى على المجتمع الفرنسي.
ووفقًا للمذكرة، فإن عدد الأفغان المقيمين في فرنسا تجاوز 100 ألف شخص، ما يجعلهم من أكبر تجمعات اللاجئين في البلاد، بحسب مجلة "لوبوان" الفرنسية.
من النزاع إلى المنفى.. موجات وصول متعاقبة
بحسب التقرير، لم تبدأ هذه الهجرة الجماعية بعد سقوط كابول في أغسطس/آب 2021 فقط، بل كانت قد بدأت تدريجيًا منذ عام 2015، على هامش أزمة اللجوء السورية التي فتحت ممرات جديدة للهجرة نحو أوروبا.
وتسارعت وتيرة الوصول بعد عودة حركة "طالبان" إلى الحكم، ما دفع آلاف الأفغان، لا سيما النساء، والنشطاء، والمترجمين، وعائلات كانت على صلة بالقوات الغربية، إلى الفرار من البلاد.
لكن التقرير يوضح أن الهجرة الأفغانية إلى فرنسا لا تقتصر على اللاجئين السياسيين أو من حصلوا على الحماية الدولية، بل تشمل أيضًا موجات من الهجرة الاقتصادية وشبابًا وصلوا في ظروف غير نظامية.
اندماج معقّد في نسيج اجتماعي هش
ويصف ديدييه ليشي في مذكرته هذه الظاهرة بأنها "أكبر تحدٍ اندماجي واجهته فرنسا منذ عقود"، مؤكدًا أن هذا التزايد العددي المتسارع "يضع النموذج الفرنسي للاندماج والتعددية تحت ضغط كبير".
ويسجل التقرير أن الأفغان في فرنسا يواجهون صعوبات متشابكة، أبرزها: الحواجز اللغوية والثقافية، والعزلة الاجتماعية في مناطق مهمشة، وصعوبة الوصول إلى سوق العمل رغم وجود مؤهلات لدى بعضهم، وضعف التكوين المهني والتأهيل اللغوي مقارنة بجاليات أخرى.
كما يشير التقرير إلى أن جزءًا كبيرًا من اللاجئين الأفغان لا يشارك في برامج الاندماج الرسمية أو يفشل في متابعتها، إما بسبب نقص الموارد أو الحواجز البيروقراطية أو حتى عدم الثقة بالمؤسسات.
مجتمعات على هامش الجمهورية
يحذر معدّ المذكرة من أن تراكم هذه العوامل يؤدي إلى خطر تشكّل "مناطق ظل" أو جيوب اجتماعية معزولة، حيث تتراجع القيم الجمهورية لصالح روابط الهوية والانتماء الديني أو العشائري، مما يهدد وحدة النسيج الوطني الفرنسي على المدى البعيد.
ويضيف ليشي: "ليست لدينا أزمة اندماج واحدة، بل طبقات متعددة من الأزمات التي تتقاطع في هذه الحالة الخاصة بالمهاجرين الأفغان".
ويؤكد أن جزءًا من الصعوبة يكمن في "المنفى الطويل" الذي يعيشه هؤلاء اللاجئون، والذي غالبًا ما يكون مصحوبًا بشعور عميق بالقلق حيال مصير أقاربهم في أفغانستان، ما يضعهم في حالة ذهنية غير مستقرة تعيق عملية الاندماج.
أين السياسات العامة من هذا التحدي؟
رغم أن الحكومة الفرنسية قدمت برامج دعم أولي للاجئين الأفغان بعد سقوط كابول، من ضمنها منح إقامة عاجلة وإيواء مؤقت، إلا أن التقرير يشير إلى غياب سياسة وطنية متكاملة لمعالجة احتياجات هذه الجالية بشكل مستدام.
برامج التكوين اللغوي والتأهيل المهني ما تزال غير كافية مقارنة بحجم التحدي، كما أن البلديات غالبًا ما تُترك وحدها في مواجهة الأعباء المتزايدة دون دعم مالي أو مؤسسي كافٍ من الدولة.
في ختام المذكرة، يدعو ديدييه ليشي إلى إطلاق خطة اندماج وطنية خاصة بالأفغان، تتضمن: إنشاء مراكز استقبال متخصصة، ودعم نفسي واجتماعي للاجئين، وتسريع إجراءات اللجوء وتسوية الأوضاع القانونية، وتعزيز برامج تعليم اللغة الفرنسية والتدريب المهني، وتوفير سكن لائق خارج المناطق المهمشة، وإشراك المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في عملية الدمج.
فرنسا أمام مرآة هويتها
ما بين الهجرة القسرية وتحديات الاندماج، يكشف هذا الملف الحساس عن مدى تعقيد السياسة الفرنسية في التعامل مع موجات اللجوء المعاصرة. فالأمر لا يتعلق فقط بأرقام، بل بمصير آلاف البشر يتطلعون إلى بناء حياة جديدة في بلد يرونه منفى وفرصة في آن واحد.
ومع استمرار التوترات الجيوسياسية في أفغانستان، فإن ملف المهاجرين الأفغان في فرنسا مرشح ليحتل مكانًا بارزًا في النقاشات السياسية القادمة، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات واشتداد الخطابات المناهضة للهجرة.