إيران والقاعدة.. تحالف الأضداد
وثائق نشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مؤخرا، أظهرت أن نظيرتها الإيرانية كانت سخية للغاية مع عناصر القاعدة الفارين إليها
في 2001، ومع اشتداد وطأة الضربات الأمريكية التي استهدفت "القاعدة" في أفغانستان، فر عدد كبير من مقاتلي التنظيم إلى إيران؛ ما أثار حينها استغراب الخبراء ممن لم يتمكنوا من استيعاب الصلة بين الطرفين.
وبعد نحو 17 عاما، أدرك العالم -متأخرا- أن العلاقة السرية بين التنظيم وطهران كانت ولا تزال أكبر بكثير من أكثر التوقعات تشاؤما، بل إن وثائق نشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مؤخرا، أظهرت أن الاستخبارات الإيرانية كانت سخية للغاية مع عناصر التنظيم الفارين إليها.
الوثائق التي زلزلت الأرض تحت أقدام طهران، أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كشفت، وفق تقارير إعلامية، عن أن الاستخبارات الإيرانية عرضت على هؤلاء المقاتلين مدّهم بكل ما يحتاجون إليه من أموال وسلاح، ومعلومات تتعلق بحزب الله، بشرط أن يستهدف التنظيم المصالح الأمريكية في السعودية وباقي دول الخليج.
تجاذب الأضداد
مئات الآلاف من الوثائق صادرتها الولايات المتحدة الأمريكية، في مايو/أيار 2011، عقب الغارة التي أسفرت عن مقتل زعيم "القاعدة" أسامة بن لادن في مخبئه بمجمع "أبوت آباد" بباكستان، فضحت العلاقة بين التنظيم وإيران.
صحيفة "لوموند" الفرنسية نقلت عن مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية، مايك بومبيو، قوله إن "ثمة علاقات مشتركة بين الطرفين، حيث تعاونت إيران -ولا تزال- مع تنظيم القاعدة".
وأضاف أن طهران أبرمت العديد من الاتفاقيات مع الطرفين، مثل اتفاق "عدم الاعتداء"، وهذا ما يفسر عدم استهداف القاعدة لإيران، رغم أن الاختلاف الأيديولوجي الجوهري يفرض بداهة أن تكون ضمن مرمى التنظيم.
لكن الاتفاقات المبرمة بين الجانبين قضت بأن يحصل كل طرف على نصيبه من الكعكة: التنظيم على التمويل واللجوء والسلاح، وطهران على أهدافها بضرب أعدائها أو إثارة الفوضى وزعزعة استقرار أي منطقة تنوي التدخل فيها وفرض سيطرتها عليها.
"تحالف سري" كشف عنه الأمريكيون منذ مقتل ابن لادن، أي في 2011، ومع ذلك، لم يكشفوا عنه إلا 6 سنوات إثر ذلك، لاعتبارات وحسابات مختلفة.
تجاذب للأضداد فرضته مصالح طهران التي لم تتوانَ حتى عن خيانة حليفها اللبناني، حزب الله، وزودت عناصر التنظيم الإرهابي اللاجئين على أراضيها، بكل ما يحتاجون إليه من عتاد وأموال مقابل ضرب أهداف أمريكية في السعودية وباقي دول الخليج، وفق «لوموند» الفرنسية.
مقاتلو التنظيم أداة للمصالح الإيرانية
في ديسمبر/كانون الأول 2001، وفي خضم الحرب الضروس التي أعلنتها واشنطن ضد التنظيم في أفغانستان، كلف أبو حفص الموريتاني، أحد رموز التنظيم المقربين من ابن لادن، ببدء الاتصالات مع المخابرات الإيرانية بشأن تأمين تسلل الموجة الأولى لمقاتلي التنظيم وعائلاتهم إلى إيران.
موجة "هجرة" أولى تلتها ثانية صيف 2002، لكن هذه المرة، كان من بين المقاتلين الذين دخلوا إيران قيادات بارزة في التنظيم، أمثال المصري سيف العدل، مدبر الهجمات التي استهدفت، في 1998، السفارتين الأمريكيتين في كل من كينيا وتنزانيا، وأسفرت عن سقوط 224 قتيلا.
كما تمكن أبو محمد المصري، المقرب أيضا من بن لادن، من دخول إيران، قبل أن يلحق به، أسابيع إثر ذلك، أفراد من عائلة زعيم التنظيم، بينهما نجلاه حمزة وسعد.
سيف العدل اعترف في وثيقة بتاريخ 2005، بوجود نشاط للتنظيم مدعوم، منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، من قبل شبكة متشددة في إيران، لتفتح بذلك الطريق بين طهران وأفغانستان، وتصبح فيما بعد هذه الطريق معبرا للمقاتلين القادمين من البلدان العربية.
ويقول العدل في الوثيقة إن "الطريق الجديد كان مهما بالنسبة لنا، وقد برزت أهميتها فيما بعد (في 2001)، ولقد بدأنا في الالتحاق بإيران الواحد تلو الآخر، وكان قد وصل إليها أيضا إخوتنا من خارج أفغانستان، وحصلوا فيها على أموال وفيرة، ولقد أنشأنا هناك خلية قيادة مركزية".
ولا يعرف حتى الآن بالضبط مهام الخلية التي تحدث عنها العدل، لكن محللين رجحوا أن تكون وحدة مركزية للتنظيم مكلفة بهجمات القاعدة بالمنطقة، بينها التفجيرات التي استهدفت، في 2003، 3 مجمعات سكنية في العاصمة السعودية الرياض، وأسفرت عن مقتل أكثر من 35 شخصا، بينهم 9 أمريكيين.
هجمات أثبتت أن "القاعدة" التزمت بالجزء المتعلق بها مقابل تقديم إيران اللجوء لعناصرها الفارين من الهجمات الأمريكية في أفغانستان، والمتعلق بضرب المصالح الأمريكية في السعودية وباقي دول الخليج.