السعي الأمريكي الحثيث لمواجهة القاعدة على الأراضي الإيرانية يهدف ضمن عدة أهداف أخرى إلى قطع الطريق على نشر الشرور القاعدية في منطقة أمريكا اللاتينية
تنسى إيران أو تتناسى القاعدة الذهبية في العلاقات اللوجستية منذ زمان وزمانين.. "ما يقال همسا في المخادع اليوم، سوف ينادى به من على السطوح في الغد".
ديدن إيران هو التعامل مع جميع القوى المهددة لأمن وسلام العالم، شرقا وغربا، وفي هذا تقفز على توجهاتها الدوجمائية، وتتعاطى مع الشيطان وليس العدو فقط، إن كان الأمر سيؤدي في خاتمة المطاف إلى تحقيق مصالحها، وليذهب الكون إلى ما شاء له أن يذهب من إرهاب خفي وظاهر، ومن قلق في النهار وأرق في الليل.
هل علاقة إيران بتنظيم القاعدة الإرهابي علاقة جديدة، كانت سرا وفجأة انقلبت جهرا؟ بالقطع ليس الأمر على هذا النحو بالمرة، ذلك أن علاقة الملالي بالتنظيم الذي تسبب في أكبر عمل إرهابي منذ عقدين، أي تفجيرات نيويورك وواشنطن، ترجع إلى أوائل تسعينيات القرن الماضي، وإن جرى التعاون على أراضي السودان أول الأمر، حيث كانت حاضنة عمر البشير الإخوانية، وفي علاقتها الجوهرية مع آيات الله، تستضيف أسامة بن لادن، وتاليا انتقل التعاون إلى أفغانستان، الدولة المجاورة جغرافياً لإيران، وعبر حدودها مضى الدعم اللوجستي الذي لم يتوقف حتى الساعة للإرهاب والإرهابيين.
ما الذي يستدعي فتح هذا الملف مرة جديدة هذه الأيام؟
حكما ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية ذائعة الصيت مؤخرا عن مقتل القيادي في تنظيم القاعدة أبو محمد المصري، على أراضيها، من خلال عملاء إسرائيليين، في أغسطس/آب الماضي، هو السبب الرئيس في إعادة فتح الملف مرة أخرى.
لم تنسَ الاستخبارات الأمريكية أن لها ثأرا قديما مع "عبدالله أحمد عبدالله "، الملقب بـ"أبو محمد المصري"، لا سيما أنه متهم بالمشاركة في تدبير هجمات قاتلة على سفارات أمريكية في أفريقيا عام 1998.
على أن السؤال الجوهري في هذه السطور: "ما الذي يعنيه اغتيال المصري على أراضي إيران أول الأمر؟".
باختصار غير مخلٍ، يفيد بأن إيران غير صادقة في تصريحاتها المتكررة بأنها لا تقدم أي دعم لوجستي للتنظيم، والدليل على ذلك أن المصري وهو القيادي المتقدم في التنظيم، وربما كان البعض يعتبره خليفة أيمن الظواهري، والذي تتردد أنباء عن وفاته مؤخرا، قد اغتيل على أراضيها، ومن قبله جرى قتل حمزة بن أسامة بن لادن، ناهيك عن كُثر من القاعدة يختبئون في المغائر وشقوق الأرض الإيرانية.
تحليل حادث الاغتيال الأخير يشي كذلك بأن الإيرانيين لديهم هدف بعيد، متمثل في السيطرة على قيادة الجماعات الإرهابية الخطيرة، إقليميا وعالميا، ولهذا فهي تفتح لهم أبوابها واسعة، وتشرع لهم العمل على أراضيها، مهما كان من شأن عدم التوافق الدوجمائي مع تلك الجماعات، وبدون النظر إلى مذهبها أو دينها.
ولعل السعي الأمريكي الحثيث لمواجهة القاعدة على الأراضي الإيرانية يهدف ضمن عدة أهداف أخرى إلى قطع الطريق على نشر الشرور القاعدية في منطقة أمريكا اللاتينية، تلك الخلفية الجغرافية التقليدية للولايات المتحدة الأمريكية، وهناك الكثير من التقارير الاستخباراتية التي تشير إلى أن الحرس الثوري يتعاون في صمت كبير مع عناصر القاعدة لتجهيز عمليات ضد الولايات المتحدة، سواء من خلال استهداف عناصر أمريكية أو منشآت تابعة لواشنطن في داخل القارة اللاتينية، أو التخطيط لعمليات إرهابية على الأراضي الأمريكية، خاصة إذا حدثت القارعة وتعرضت إيران لهجمات عسكرية من قبل العم سام.
والشاهد أن الرابط بين القاعدة وعناصرها وبين الحرس الثوري الإيراني، لا يغيب عن الأعين، ففي أبريل/نيسان من العام الماضي 2019، كان الجنرال المتقاعد في الحرس الثوري الإيراني سعيد قاسمي يؤكد أن عناصر الحرس دربوا مسلحي تنظيم القاعدة أو بالأحرى نواة التنظيم الذين كانوا يقاتلون في أماكن عدة.
قاسمي الذي يشغل حاليا منصب أمين عام جماعة "أنصار حزب الله"، في إيران، أشار كذلك إلى أنه وفي تسعينيات القرن الماضي ذهب إلى البوسنة منتحلا هو ورفاقه صفة عمال إغاثة في الهلال الأحمر الإيراني، وذلك بهدف تدريب عناصر بوسنية مقاتلة هناك.
قاسمي أكد كذلك، في مقابلة له مع موقع "أبارات"، أن هناك في البوسنة، في قلب أوروبا، كانت هناك الكثير من التطورات، وأن عناصر القاعدة تعلمت الكثير من رجالات الحرس الثوري، فقد كانوا يقاتلون معا وجنبا إلى جنب.
هل القاعدة وعناصرها هم أحد أمضى أسلحة إيران في إرهابها المنتشر حول العالم؟
هذا هو واقع الحال الذي أشارت إليه تقارير عدة للخارجية الأمريكية، ومنها تقرير عام 2018 بنوع خاص، والذي جاء فيه ما نصه: "إن إيران لا تمكن القاعدة من القيام بعمليات دولية من داخل حدودها فحسب، بل تظل أيضا غير راغبة في تقديم كبار أعضاء القاعدة المقيمين في إيران للعدالة، كما ترفض في الوقت ذاته الكشف عن هوية الأعضاء المحتجزين لديها".
والثابت أنه حين يتحدث وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو عن علاقة مؤكدة بين إيران والقاعدة، فإن الرجل والذي عمل سابقا مديرا للاستخبارات المركزية الأمريكية يمتلك الكثير من الوثائق التي تم الحصول عليها عام 2011 خلال مداهمة مجمع أسامة بن لادن في باكستان، تلك الوثائق التي كشفت عن سرية بعضها عام 2017، فيما لا يزال الأخطر وربما الأعمق لم يكشف عنه بعد، ما مكن الخارجية الأمريكية من معرفة عملاء القاعدة العديدين المنتشرين حول العالم، والذين تربطهم علاقات وثيقة مع إيران التي وصفها تقرير الخارجية بأنها كانت بمثابة "خط إمداد أساسي"، لنقل الأفراد والموارد بين الشرق الأوسط ومركزها في جنوب آسيا، حيث أفغانستان وباكستان.
منذ ثلاثة عقود تحالفت طهران مع القاعدة لمواجهة ما يتفقان على تسميته الشيطان الأكبر، واليوم تشتد أواصر العلاقة من جراء الضغوطات الأمريكية على النظام الإيراني، وفي كل الأحوال تظهر عملية اغتيال المصري أن "إيران نمر من ورق"، وأنها مخترقة داخليا اختراقا غير مسبوق، فمن يعيش على أراضيها من إرهابي القاعدة أو غيرهم، معرضون للاغتيال، ومن قبل نجحت الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية في الحصول على المستندات التي تؤكد سعي طهران للحصول على أسلحة نووية.
الخلاصة.. همس التحالف سيئ الذكر في المخادع بات ينادى به اليوم من فوق السطوح، فانظر ماذا ترى؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة