خرجت مفاوضات الجولة الرابعة من جنيف، باتفاق لا يتجاوز الدعوة لجنيف الخامسة، وزاد عليه الرئيس بوتين بطلب من رئيس كازاخستان بأن تعقد جلسة ثالثة في أستانة.
خرجت مفاوضات الجولة الرابعة من جنيف، باتفاق لا يتجاوز الدعوة لجنيف الخامسة، وزاد عليه الرئيس بوتين بطلب من رئيس كازاخستان بأن تعقد جلسة ثالثة في أستانة.
وأذكر أني حين سألت السفير الروسي في الرياض، عن الهدف من الذهاب لأستانة، وقد عبر عن كون كازاخستان ليست طرفا في الصراع، كما أن أستانة تهدف لجمع الأطراف المقاتلة لتثبيت وقف لإطلاق النار، مما يجعل من الذهاب لجنيف بحثا عن خارطة حل سياسي أمرا ذا جدوى.
وربما كانت جولة مفاوضات أستانة الأخيرة هي الأنجح على مستوى وقف إطلاق النار، ما خلا اختراقات النظام وميليشيات حزب الله وباقي الميليشيات الحليفة، ثم أتت جنيف 4 ليرافقها مسرحيات النظام المعتادة، أولا عملية حمص التي توحي أن النظام يتعرض للإرهاب، وبالتالي بعدم احترامه لوقف إطلاق النار، مما يعرف من الاستهبال بالضرورة، ثم إعادة استلام تدمر المدينة التاريخية العريقة، في تبادل للأدوار بين النظام لداعش تكرر حد السماجة، لكنه هدف للإشارة إلى أن النظام يسيطر أكثر على الأرض مما لا يدعوه أصلا للتفاوض.
وهذه الفكرة وهي إلغاء وجود طرف غير إرهابي على الطاولة، ومسح المعارضة المعتدلة من الوجود هي فكرة إيرانية في الأساس، هدفها أن يسحق الشعب وتتشتت المعارضة، لتتعاظم مكاسب إيران في السيطرة على كامل سورية، الجغرافيا والقرار السياسي والموارد، عدا ما لا تسمح به روسيا بالطبع.
والدولة المهمة اليوم التي تقف عثرة أمام هذا الهدف وهو إلغاء المعارضة هي تركيا بالإضافة لأطراف خليجية أخرى، لكن تركيا هي التي لديها تواجد بري على الأرض، والأخطر من وجهة النظر الإيرانية هو التقارب الكبير بين موسكو وأنقرة والذي حدث العام الماضي، مما حدا بالبراجماتية الإيرانية لدفع وزير الخارجية محمد جواد ظريف لزيارة تركيا أغسطس الماضي، وتقديم أعلى درجات الود بعد الانقلاب الفاشل، لكن تضارب المصالح التركية الإيرانية سوريا أولا ثم عراقيا، أثبت أن تقارب الطرفين كان سحابة صيف سرعان ما انقشعت.
لاحقاً قام الرئيس الإيراني بزيارة دولتين خليجيتين، والرئيس التركي بزيارة دول خليجية أخرى، وهذا التحرك له مدلولاته على الواقع السوري والعراقي، ويبين كيف أن أثر دولة مثل السعودية بالغ في المشهدين، وقد شاهدنا كيف كان صدى زيارة وزير الخارجية السعودية لبغداد.
تقارب تركيا أو إيران مع دول الخليج هو دليل عدم القدرة على حسم الملفات بشكل منفصل، ولا حتى بالتحالف مع روسيا فقط، مع العلم أن ما أنجزته روسيا بعد تدمير حلب من جمع الأخوة الأعداء، يأخذ مع الوقت في التباعد لأن المصالح التركية الإيرانية متضادة، خصوصا شمال شرقي حلب في منبج مثالا، وفي مناطق سيطرة داعش عموما.
ولماذا يختلف الأتراك والإيرانيون على مناطق داعش من الموصل إلى الرقة، لأنهم يعرفون أن وجود داعش مسألة وقت وتجريف لتربة وهوية هذه المناطق، وبالتالي يتنازعون حول الغرس الجديد في هذه المناطق.
العامل الآخر أو الأكثر تأثيرا اليوم في سورية وفي العلاقة التركية الإيرانية هو الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي بينت أنها تدعم مناطق آمنة في سورية، وناقش ذلك الرئيس ترمب مع الملك سلمان هاتفيا قبل أن يناقشه مع الأتراك، وهو الأمر الذي عبرت الصحافة التركية عن انزعاجها منه، كذلك عبرت الإدارة عن حزمها مع إيران وتصرفاتها العبثية.
الإدارة الأمريكية اليوم تتحرك بالفعل، حيث تتحرك لضرب القاعدة في اليمن وذلك في شبوة وأبين، ونشهد قوات أمريكية على بعد 10 كلم من منبج، صحيح أنها لم تحسم أمرها في الصراع بين قوات الشعب الديموقراطية «الكردية»، والقوات المدعومة من تركيا والتي تقاتلت فيما بينها، إلا أن الجميع يترقب موقف واشنطن بما في ذلك موسكو نفسها.
وحالما قررت أمريكا أن تعود مجددا لتجلس على كرسي جنيف، سيكون الطرفان التركي والإيراني متسابقين لإثبات أنهم أصحاب النفوذ على الأرض، وبالتالي يجب أن تكون مصالحهم في سورية مطروحة على الطاولة، وهو الأمر الذي قد يؤدي لمزيد من التباعد الإيراني التركي.
*نقلا عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة