التغيير من الداخل في إيران لم يعد بالأمر الصعب في ظل وجود قاعدة شعبية داخلية تطالب بالتغيير
على الرغم من تعدد الملفات على طاولة مؤتمر وارسو الدولي حول السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط، الذي دعت إليه الولايات المتحدة بمشاركة كبيرة من دول عربية وأجنبية، إلا أن التركيز كان على ضرورة مواجهة السلوك الإيراني المزعزع للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ودفع الإيرانيين على تغيير هذه السياسات، هذا يؤكد أن النظرة الدولية ترى أن تغيير السياسات الإيرانية هو الطريق نحو حل العديد من الملفات التي تلعب إيران دوراً في سكب الزيت على نار هذه الأزمات كمدخل لتحقيق أطماعها التوسعية.
التغيير من الداخل في إيران لم يعد بالأمر الصعب في ظل وجود قاعدة شعبية داخلية تطالب بالتغيير، وفي ظل حالة الغليان الشعبي والاحتجاجات المستمرة، التي تؤكد وجود قناعة شعبية بأن إصلاح النظام بات من غير الممكن وأن الحل يكمن في تغييره فقط
يوفر الإجماع الدولي والإقليمي في مؤتمر وارسو تجاه السياسات الإيرانية الأرضية الخصبة للانتقال إلى مرحلة جديدة في التعامل مع إيران، والتخلي عن مرحلة الاحتواء التي كانت الاستراتيجية المتبعة في السنوات الماضية، خاصة من قبل الإدارات الأمريكية، لا سيما في عهد الرئيس باراك أوباما، ومن الواضح أن هذه الاستراتيجية لم تنجح في خفض التهديد الإيراني للأمن والسلم الدوليين، بل بالعكس أعطت إيران مساحة أوسع للتحرك في المنطقة، ولذلك نجد أن الإجماع الدولي والإقليمي في مؤتمر وارسو تجاه السياسات الإيرانية يمهد للانتقال إلى هذه المرحلة الجديدة، وهي المرحلة التي تحدث عنها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في خطابه في القاهرة، عندما انتقد تعامل إدارة أوباما مع إيران، ما يعكس قناعة بعدم جدوى سياسة الاحتواء في خفض التهديد الإيراني وتغيير السلوك الإيراني، ولذلك نجد أن انعقاد مؤتمر وارسو يشكل البداية للانتقال إلى هذه المرحلة من خلال تقديم الدعم والتأييد والحشد السياسي الدولي تجاه إيران.
مؤتمر قمة وارسو يعيد للأذهان المؤتمر الذي عقدته 4 قوى دولية في غوادلوب بفرنسا في عام 1979، الذي تم خلاله الاتفاق على ضرورة رحيل نظام الشاه في إيران آنذاك، لكن إذا كان مؤتمر غوادلوب المشهد الأخير في التعامل مع نظام الشاه فإن مؤتمر وارسو يعتبر المشهد الأول والبداية لطريق طويل من تشديد العزلة الدولية التي ستكتب نهاية النظام الإرهابي في إيران، وعلى الرغم من محاولات طهران للتقليل من أهمية هذا المؤتمر ومن تأثيره إلا أنها تعاملت معه قبل انعقاده بالعديد من التحذيرات إلى بولندا الدولة المستضيفة لهذا المؤتمر، وهو ما يعكس القلق الإيراني من هذا المؤتمر في أن يفضي إلى تشديد العزلة السياسية الدولية على إيران.
ليس من السهولة إحداث تغيير في السلوك الإيراني؛ لأن هذا السلوك ليس مرتبطاً بأشخاص أو نظام محدد أو تيار، سواء كان إصلاحياً أم محافظاً، إن المتابع للسلوك الإيراني يجد أنه على الرغم من صعود تيارات إصلاحية -كما يطلق على نظام الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني- أو صعود التيار المتشدد كما كان يطلق على نظام الرئيس السابق أحمدي نجاد، إلا أن السلوك الإيراني في المنطقة لا يشهد انخفاضاً بل يشهد استمراراً بوتيرة أعلى.
وفيما يتعلق بالأطماع التوسعية بالمنطقة، نجد أن كلا التيارين يكملان بعضهما البعض، ولذلك فإن السلوك الإيراني لا يرتبط بأشخاص أو نظام محدد أو تيار معين، بل هو سلوك يستمد من أدبيات الثورة الخمينية ومن الدستور الإيراني، والذي يعتبر أن "الثورة الإسلامية في إيران" حركة "تهدف إلى نصرة جميع ما يسميهم بالمستضعفين على المستكبرين". وعلى هذا فإن الدستور يعد الظروف لاستمرارية هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، وهو ما يعني أن السلوك الإيراني يستمد توجهاته من القواعد التي تأسست عليها الجمهورية الإيرانية ومن الدستور الإيراني، ما يعني ذلك أن إحداث تغيير في السلوك الإيراني والسياسات التوسعية لنظام الملالي والمزعزعة للاستقرار في المنطقة يبدأ من القواعد التي تأسست عليها الجمهورية الإيرانية.
ومن هنا.. نجد أن تغيير السلوك والسياسات الإيرانية في المنطقة يجب ألا يتجاهل أهمية التغيير من الداخل، وهو الأمر الذي أدركته الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً، وجاء ذلك الإدراك في خطاب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في القاهرة، والذي تحدث عن أهمية الحرية للشعب الإيراني، ولذلك فإن التغيير من الداخل في إيران لم يعد بالأمر الصعب في ظل وجود قاعدة شعبية داخلية تطالب بالتغيير، وفي ظل حالة الغليان الشعبي والاحتجاجات المستمرة، التي تؤكد وجود قناعة شعبية بأن إصلاح النظام بات من غير الممكن وأن الحل يكمن في تغييره فقط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة