مطالبات إيران بعلاقات مبنية على حسن الجوار لم ولن يكون نقطة ضعف في السياسة الخارجية للدول العربية.
لم يعرف التاريخ دولة واحدة منعزلة، فمنذ الأزل والأرض منقسمة بين حضارات وإمبراطوريات وممالك ودول تحكمها المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، فهذه سنة الكون وناموس التكوين والوجود الذي حكم البشرية، ولطالما سعت الدول إلى الاستقرار وتحقيق الأمن والسلام، ولا يتحقق هذا من دون حسن جوار واحترام متبادل بين الشعوب على وجه المعمورة.
ما نبحث عنه وهو السلام والأمن والاستقرار هو الذي قاد لطرح سؤال ماذا نريد من إيران، خاصة ونحن نراقب أوضاع العالم الراهن ولاسيما ما يجري في الشرق الأوسط عموماً ومحيطنا العربي على وجه الخصوص منطقة الخليج العربي؟
مطالبات إيران بعلاقات مبنية على حسن الجوار لم ولن تكون نقطة ضعف في السياسة الخارجية للدول العربية لسبب تعرفه إيران أنّ هذه البلدان تمتلك قوة اقتصادية وعسكرية وبشرية لا يستهان بها، وهي تفضل الحكمة على التخبط وإيذاء الآخرين، فلا بأس لدى الدول العربية بتقديم درء المفاسد الكبرى على جلب المنافع الصغرى
هذا التساؤل يدفعنا إلى استعراض العلاقات التاريخية العربية ودول الجوار والوصول إلى مسلّمة بأنّ أغلب الدول العربية- ولا نقول جميعها- انتهجت سياسة عدم التدخل في شؤون المحيط القريب منه والبعيد، بل لطالما سعت هذه الدول عموماً إلى حفظ حسن الجوار إيماناً من المواطن العربي قبل الحاكم بأن الشأن الداخلي حرمة لا يجوز مساسها.
ولكن الدول العربية لم تُترك وشأنها يوماً من الأيام، بل في كثير من الأحيان كانت تتعرض لتدخلات خارجية في شؤونها الداخلية، والمثال الأبرز لهذه التدخلات اليوم هو إيران ومساعيها لتصدير أزماتها الداخلية إلى جوارها العربي، ساعية إلى إلهاء الداخل الإيراني بمواجهات طهران الخارجية والسعي الحثيث من حكام إيران الحاليين إلى إضفاء نفوذهم على المنطقة العربية، لذلك يتفاخر هؤلاء بين حين وآخر أنهم يسيطرون على عواصم عربية، وأنّ القرار الأخير يعود لهم في بلدان لطالما كانت العمود الرئيس في الخيمة العربية الواحدة.
بدأت إيران تدخلاتها ومد أذرعها خارج حدودها منذ إسقاط حكم الشاه عام 1979م عملا بمفهوم تصدير "الثورة الخمينية" إلى بلدان الجوار، والغاية من ذلك الحفاظ على الشكل الجديد للحكم في إيران، وهو نظام الولي الفقيه الذي لا يُرد له طلب ولا يُخالف له أمر.
العبث الإيراني بأمن واستقرار المنطقة لم يقتصر على بلد عربي دون سواه، فعين الساسة الإيرانيين مفتوحة على الجميع بلا استثناء حتى الحلفاء منهم لطهران، لذلك كلما زاد التوتر بين طهران وواشنطن تصيّر إيران المنطقة العربية ساحة للنزال مع الأمريكيين، وهذا ما يدفع ثمنه العربي من المحيط إلى الخليج وكذلك الشعب الإيراني الذي لم يخف تذمره من سياسة قائمة على مبدأ لا أرتدع حتى أضرم النار في كل شيء حولي .
لا شك بأن هذا الجو المشحون لا يصب في مصلحة أحد من الدول مهما كانت بعيدة أو قريبة من هذه الموجة، فالاستقرار مطلب عالمي بلا استثناء، كما أن الفوضى خطر عالمي يهدد العالم أجمع ولو كان في جزيرة من جزر الأطلسي المهجورة؛ لأن العالم اليوم مرتبط المصالح متشابك فيما بينه تشابك القرية الصغيرة، لا سيما في ظل الثورات العلمية والتكنولوجية التي تتسارع وتيرتها اليوم، وسعي الدول لمواكبة التطور والارتقاء لتنمية أوطانها ومواطنيها، ولا استقرار ولا نهضة ولا ارتقاء بلا استقرار وسلام؛ فما يريده العالم أجمع اليوم من إيران هو ما تريده دول الجوار لها أن تكون العلاقات قائمة على حسن الجوار والنأي بالنفس عن الشؤون الداخلية العربية، والتوقف عن حرف القضايا الوطنية إلى قضايا طائفية تستنزف المنطقة أجمع، فلا صحة بأن العرب يبادلون إيران السياسة ذاتها، بل لطالما نعمت إيران بالهدوء من محيطها العربي وحتى عندما تقدم دولة عربية للتدخل في شؤونها تجد الدول العربية ترفض ذلك، انطلاقاً من مبدأ حسن الجوار وتجنيب المنطقة الصراعات الدامية.
مطالبات إيران بعلاقات مبنية على حسن الجوار لم ولن تكون نقطة ضعف في السياسة الخارجية للدول العربية لسبب تعرفه إيران أنّ هذه البلدان تمتلك قوة اقتصادية وعسكرية وبشرية لا يستهان بها، وهي تفضل الحكمة على التخبط وإيذاء الآخرين، فلا بأس لدى الدول العربية بتقديم درء المفاسد الكبرى على جلب المنافع الصغرى.
قد يتساءل البعض هل الأمر بسيط لهذه الدرجة؟ على الرغم من أن هذا السؤال مشروع، إلا أن الإجابة عنه أسهل من السؤال ذاته، فهو بكل بساطة "نعم" إذ لا يوجد مواطن عربي أو مواطن إيراني اليوم إلا وينشد العيش بأمان في بلد آمن مستقر، ويخشى من أن تنزلق الأمور إلى صراع دامٍ يدمر الأوطان والإنسان، فالحالة الصحية الطبيعية أن تكون الدول الجارة متماسكة العلاقات متداخلة المصالح، حريصة على أمن بعضها البعض، لا مثيرةً للنعرات والأزمات، وهذا ما نريده من إيران لا أن تبقى دولة يذكر اسمها كل يوم مقترنا بالفوضى وإثارة القلاقل هنا وهناك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة