دول الخليج -خاصة السعودية والإمارات- قادرة على حماية مصالحها دون الوقوع في الفخ الإيراني.
"صناعة العدو" فكرة فضفاضة عادة ما تتبناها الأنظمة الديكتاتورية والاستعمارية مثل إيران، لحشد الداخل حولها، لتكون بمثابة الشماعة التي تمنح النظام البطاقة الخضراء لارتكاب أفظع جرائمه بحق الداخل والخارج.
نظريةٌ لا تُعد مستجدة، وإنما يشي التاريخ بأنها لطالما كانت ورقة لابتزاز الشعوب وتبييض الاستبداد، ولعل العبارة الشهيرة لـ"ألكسندر أرباتوف" المستشار الدبلوماسي لـ"ميخائيل جورباتشوف" آخر رئيس لـ"المارد الأحمر" الاتحاد السوفيتي سابقا، خير دليل على ذلك.
ومتوجها للغرب قبيل انهيار الاتحاد، قال أرباتوف: "سنقدم لكم أسوأ خدمة، سنحرمكم من العدو!"، في عبارة رسمت ملامح الانتصار لنظرية "الفراغ الاستراتيجي لصناعة العدو".
في النهاية، يبدو أن السيناريو الأكثر احتمالا في ضوء حيثيات المشهد الراهن، هو عدم وقوع حرب، ذلك لأن نظام ولاية الفقيه نفسه مصاب بالرعب من إمكانية اندلاعها، تماما مثل نظام الأسدين في سوريا الذي "أجاد فقط استثمار بقاء العدو" ولم يفكر في استعادة الجولان"
وقتها، بدأ "الخطر الأحمر" في الانزواء فجأة عن خارطة العالم التي كانت حبلى بشتى الحروب والصراعات الباردة والساخنة، فحدث ما يشبه "ارتباكا استراتيجيا" تولدت عنه "نظريات مشوهة" للنظام العالمي الجديد، تنوعت بين "صراع الحضارات" و"نهاية التاريخ"، محاولة ملء الفراغ الذي خلفه الغياب المفاجئ لـ"العدو".
كلمات مستشار جورباتشوف تكاد ترسم صورة مشابهة للمأزق الذي يعيشه اليوم نظام ولاية الفقيه في إيران، فهو الآن بات محروما من "مميزات العدو" الذي دأب على صناعته طيلة 40 عاما، خاصة في ظل محاولاته المستميتة مؤخرا لإيقاد نيران حرب إقليمية، باستهداف ناقلات النفط في الخليج العربي.
ولتتضح الصورة أكثر، دعونا نعود إلى كارل شميت، الفيلسوف الألماني الذي حدد إطارا نظريا لمزايا "العدو" الذي تحاول الأنظمة القمعية صناعته كورقة لابتزاز الشعوب وتبييض الاستبداد، وشرح الخبير الاستراتيجي الفرنسي بيار كونيسا ذلك الإطار على النحو التالي:
أولا: "العدو كمهدئ"، وهي أهم ميزة استراتيجية تستفيد منها الأنظمة الفاشلة، فالعدو هو "شماعة جاهزة" يتم عليها تعليق الفشل في كل مناحي الحياة، وما أسهل أن ترتفع أسهم بورصة "نظرية المؤامرة"، لابتكار طوفان من "الحجج الوهمية"، فالعدو الخارجي هو المسؤول عن تجويع الشعب الإيراني وتبديد أمواله ووقف بناء المستشفيات والمدارس!
ثانيا: "العدو كسوق القلق"، وهذا العدو الوهمي يعد "مصدرا مشعا" لمشاعر الخوف والقلق التي يحاول أن يستثمرها أي نظام فاشل لكي يخوف شعبه ويحجبه عن رؤية النور، ويكفيك أن تنظر إلى الآلة الإعلامية ومقررات ومناهج هذا النظام لتتعرف على ذلك بسهولة.
ثالثا: "العدو كمصدر تمويل رئيس"، حيث إن هذا النظام الفاشل يقتات من "العدو"، فمن الخوف يتولد "التطبيع مع العنف"، وفرض الضرائب الباهظة، وتحويل قوت الناس والفلاحين والعمال إلى مصانع الصواريخ والمفاعلات النووية والمليشيات المنتشرة ليس فقط في خواصر دول عربية، ولكن وصلت مخططاته الإرهابية إلى أوروبا، وعواصم أمريكا اللاتينية.
فنظام ولاية الفقيه، الذي لم يتقن طيلة 40 عاما سوى "صناعة العدو وتصدير الإرهاب"، أشعل الحروب بمختلف أنواعها الخفية والعلنية، الاقتصادية وحتى السيبرانية والإعلامية، في محاولة لجر المنطقة إلى مستنقع الدم بعد أن انتهك حرمة الخرائط.
ولكن دول الخليج العربي باستثناء قطر، تدرك ذلك، وصرحت مرارا بأنها لا تريد الحرب ولا تسعى إليها، والتصريحات كافة التي تصدر عن كبار المسؤولين تؤكد ذلك، وأحدثها ما جاء في مقابلة أجراها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مع صحيفة "الشرق الأوسط"، حين أشار إلى أن المملكة "لا تريد حرباً في المنطقة".
لكنه شدد، في الوقت نفسه، على "أننا لن نتردد في التعامل مع أي تهديد لشعبنا وسيادتنا ومصالحنا الحيوية".
دول الخليج -خاصة السعودية والإمارات- قادرة على حماية مصالحها دون الوقوع في الفخ الإيراني، في وقت لا يزال فيه سيناريو الحماية الدولية لناقلات النفط إبان الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي حاضرا في الأذهان.
كما أن الدول الكبرى قادرة على حماية سفنها في الخليج، فأزمة النظام الإيراني هي أزمة تهدد العالم بأسره؛ لأن أغلب نفطه في الخليج العربي.
في النهاية، يبدو أن السيناريو الأكثر احتمالا في ضوء حيثيات المشهد الراهن، هو عدم وقوع حرب، ذلك لأن نظام ولاية الفقيه نفسه مصاب بالرعب من إمكانية اندلاعها، تماما مثل نظام الأسدين في سوريا الذي "أجاد فقط استثمار بقاء العدو" ولم يفكر في استعادة الجولان "وأن مكاسب بقائه محتلا كانت أكبر من تحريره، وهذا ما تجلى في ابتلاعه لبنان.
فطهران عاجزة عن تبني "خيار شمشون" بمعنى "هدم المعبد فوق رؤوس الجميع"، ولكنها تسعى في نهاية المطاف إلى كسب بعض أوراق المساومة لتحسين شروط المفاوضة أملا في رفع العقوبات الاقتصادية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة