حملت، ولا تزال تحمل، ردود فعل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حول وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، إشارات مهمة نحو المستقبل القريب في علاقات إيران الخارجية، وبصفة خاصة على المستوى الخليجي.
لعل من أحدث تلك الإشارات قبول الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد السعودي دعوة لزيارة إيران. وكان قبل ذلك، ما ذكره مستشار رئيس دولة الإمارات الدكتور أنور قرقاش، الذي ربط بين دلالات الحضور الواسع ورفيع المستوى، وتصريحات ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى، التي أدلى بها قبل أيام أثناء زيارته لروسيا، إذ قال إنه لا يرى سبباً لعدم تحسن العلاقات مع إيران.
وفي تقديرنا أن تسليط الدكتور أنور قرقاش الضوء على تلك البوادر بين دول الخليج وإيران، لفتة مهمة تعكس اهتمام القيادة السياسية في دولة الإمارات بتحسن العلاقات الخليجية الإيرانية، وحرص دولة الإمارات على تدعيم تلك البوادر وإبرازها رسمياً وليس فقط إعلامياً، بما يصب في النهاية في اتجاه تعزيز وتقوية ذلك التوجه الإيجابي نحو علاقات خليجية إيرانية جيدة وقوية وتعاونية، من أجل صالح واستقرار الخليج العربي والمنطقة كلها.
لكن يبقى أن التعاطي الإيجابي الخليجي مع طهران ليس جديداً، فحسن النوايا والبوادر التعاونية الخليجية قائمة دائماً سواءً على المستوى الفردي أو الخليجي الجماعي. بينما الجديد القائم والمنتظر لدى الأطراف الأخرى وهذه الأطراف منها بعض الفاعلين في النظام الإيراني نفسه هذا غير الفاعلين الإقليميين الآخرين مثل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية الموجودة في المنطقة وطريقة تعاملها مع قضايا المنطقة، حيث ينتظر أن تكون أكثر توازناً لصالح الجميع.
ورغم ما في حادثة وفاة رئيسي ورفاقه من أسى، فإن لهذا التطور الصادم وجهاً آخر يجب استغلاله والاستفادة منه، بأن يكون محطة لالتقاط الأنفاس ومراجعة حسابات وسياسات إيران تجاه المنطقة، وكذلك من جانب الأطراف الإقليمية الأخرى تجاهها. ففي الفترة السابقة، خصوصاً الأشهر القليلة الأخيرة، كان واضحاً التوتر والاحتقان في أجواء المنطقة، ليس فقط سياسياً بل عسكرياً أيضاً.
وبعد وفاة رئيسي وعبداللهيان، وإعلان السلطات الإيرانية إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة دستورياً، في الثامن والعشرين من شهر يونيو/حزيران المقبل، تكون إيران دخلت سريعاً في عملية "انتخابات رئاسية" بما تتضمنه من مقتضيات وما تحمله من احتمالات، سواء لجهة التوازنات الداخلية أو بالنسبة للتوجه المستقبلي في العلاقات الخارجية. أي أن السياسة الإيرانية مرشحة للتغيير، ولو بقدر، في حدود ما تسمح به طبيعة النظام السياسي الإيراني وحدود صلاحيات وسلطات الرئيس ومن بعده وزير الخارجية.
وحيث ستستمر تلك المرحلة الانتقالية لما بعد تولي الرئيس الجديد وتشكيل حكومته، لكن في المجمل، سيكون عليه دراسة الملفات المفتوحة والاطلاع على القضايا والاستحقاقات. فالمفترض أن تشهد السياسة الخارجية الإيرانية هدوءاً وربما تجميداً لتحركاتها النشطة المثيرة لقلق أطراف كثيرة، ولو لأشهر قليلة.
لكن المستقبل القريب لا يتوقف فقط على الجديد المنتظر من جانب إيران، فالعلاقات والتطورات الإقليمية تتأثر مباشرة بالمواقف والتحركات الخاصة بكل الأطراف، فلا يعني مرور إيران بوضع استثنائي أن ينسحب بالضرورة على الجميع.
بعبارة أكثر وضوحاً، إذا كانت الكرة الإقليمية في ملعب إيران، وفقاً لطبيعة استجابتها للإشارات الإيجابية الخليجية، فإن الكرة، بل قبل ذلك هي في الملعب الإسرائيلي، فكما أن إيران طرف أصيل في تطورات المنطقة والساق الأولى التي تستند عليها أزمات الشرق الأوسط، فإسرائيل هي الساق الأخرى في ذلك الجسد الإقليمي الملتهب، وبالتالي يحتاج التفكير المشترك في تهدئة المنطقة أو على الأقل ترجيح كفة الطرف الباحث عن استقرار المنطقة.
الذي يدفعنا إلى الحديث عن النقطة السابقة هو النتيجة التي يبدو أن الجيش الإسرائيلي عجز عن تحقيق أهداف الحرب على غزة، حيث صار بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، يبذل جهوداً دؤوبة ومندفعة للبحث عن أي مخرج من مأزقه العسكري والسياسي في غزة، ولو بفتح جبهات أخرى وإشعال حرب ليحشد وراءه بسببها الداخل الإسرائيلي المتذمر ضده.
ولذلك فمقابل التفاؤل بتطورات إيجابية بين دول الخليج العربية وإيران، هناك خشية حقيقية من تهور إسرائيل واندفاع حكومتها اليمينية المتطرفة إلى مغامرات إقليمية، قد تطيح بآمال وجهود الدول العقلانية بالمنطقة، خصوصاً دول الخليج العربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة