احتجاجات إيران في 2019.. دائرة السخط الشعبي تتسع
بحلول صيف 2019 تزايدت وتيرة الاحتجاجات في إيران على مدار شهري يونيو ويوليو لتسجل قرابة 267 حركة احتجاجية على مستوى 78 مدينة
اتخذت احتجاجات 2019 في إيران طابعاً مختلفاً عن الأعوام السابقة؛ إذ بدأت بمطالب ذات طابع اقتصادي في الغالب، ثم اتجهت إلى طريق سياسي فيما بعد طال مباشرة النخبة المسيطرة على حكم البلاد.
وتنوعت أساليب النظام الإيراني بين الردع الاستباقي للمحتجين من خلال الاعتقالات العشوائية والاستدعاء الأمني للناشطين مدنيا وحقوقيا ونقابيا؛ خشية اندلاع احتجاجات ذات نطاق أوسع.
أما الخطوة التالية في التعامل، فكانت عبر الرد بعنف مثل إطلاق الرصاص الحي، وقنابل الغاز المسيل للدموع حال خروج متظاهرين في الشوارع، رافعين شعارات مناهضة لسياسات النظام أو مطالب شعبية.
الأمر اللافت أن الاحتجاجات الإيرانية نفسها محض استمرار لدائرة السخط داخليا تجاه الأوضاع المتردية على مدار العامين الأخيرين تحديدا؛ حيث تسجل بيانات أكاديمية أن إيران شهدت 4200 احتجاج على الأقل منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول 2017 حتى شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وشهدت جميع المحافظات الإيرانية (31 محافظة) احتجاجات خلال الفترة المذكورة، غير أن 2019 كان عاما مفصليا من حيث طبيعة المظاهرات التي تصدرها العمال، ثم التجار، والمعلمون، وطلاب الجامعات، والمتقاعدون، والسائقون.
وبالنظر لأبرز فترات تصاعد الحراك داخل إيران في 2019، فإن الشهر الأول من عام 2019 سجل نحو 120 حركة احتجاجية بمتوسط 9 مظاهرات وإضرابات يوميا، حيث كانت البلاد لا تزال على وقع احتجاجات استمرت بين الفينة والأخرى عام 2018.
وتمحورت هتافات المحتجين إجمالا خلال مطلع عام 2019 في التنديد ضد تفشي الفساد داخل مؤسسات حكومية، وارتفاع نسب القابعين أسفل خط الفقر بمعدل ثلثي السكان (81 مليون نسمة إجمالي سكان إيران)، إضافة إلى تأخر الأجور الشهرية لفترات طويلة.
وبلغ معدل الاحتجاجات في فبراير/شباط 2019 قرابة 248 حركة احتجاجية داخل نحو 71 مدينة إيرانية بمعدل 9 مظاهرات يوميا، وسط مشاركة نساء وطلاب جامعات وناشطين عملوا على توثيق الأحداث وبثها عبر الشبكات الاجتماعية.
ويمكن أن نطلق على أبريل/نيسان 2019 "شهر احتجاجات منكوبي الفيضانات"، بعد أن تضرر نحو 25 محافظة إيرانية على الأقل، وسط فشل المسؤولين إزاء معالجة تداعيات الكارثة البيئية بشكل سريع نسبيا.
وشهدت إيران خلال الشهر المذكور 208 حركات احتجاجية في 70 مدينة كبرى، لدرجة أن النظام الإيراني استعان بعناصر مليشيات موالية له في دول مجاورة بهدف السيطرة على الوضع الأمني داخليا.
وبمجرد أن وصلت مظاهرة واحدة إلى أسوار مقر البرلمان بالعاصمة طهران في الأول من مايو/أيار 2019 تزامنا مع ذكرى اليوم العالمي للعمال، شنت أجهزة الأمن الإيرانية اعتقالات طالت عشرات الناشطين نقابيا على مدار الشهر.
ومع حلول فصل الصيف، تزايدت وتيرة الاحتجاجات في إيران على مدار شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2019، لتسجل قرابة 267 حركة احتجاجية على مستوى 78 مدينة إيرانية.
واستمرارا للحنق الشعبي بسبب تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية داخل إيران، بلغ إجمالي الاحتجاجات خلال شهر أغسطس/آب نحو 177 حركة احتجاجية على مستوى 57 مدينة بحد أدنى.
وتميزت احتجاجات أغسطس/آب 2019 بوجود دعوات مسبقة جرى تداولها عبر منصات الفضاء الافتراضي، فضلا عن وجود المعلمين بشكل ملحوظ في بعض المسيرات الاحتجاجية.
واستمرت مظاهرات العمال عدة أيام داخل مصانع ومناطق تجارية، بمتوسط 3 حركات احتجاجية يوميا لأسباب متكررة أبرزها يتعلق بتأخر الأجور الشهرية.
وبالتزامن مع العطلة الصيفية حينها في إيران، وصلت مظاهرات شعبية إلى محيط مبانٍ حكومية مثل مقر السلطة القضائية، ومكتب المدعي العام، والبنك المركزي في طهران.
ورغم تشديد التدابير الأمنية، بلغ معدل الاحتجاجات داخل إيران خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019 نحو 207 حركات على مستوى شرائح اجتماعية مختلفة.
وشملت الاحتجاجات في إيران على مدار أكتوبر/تشرين الأول الماضي نحو 59 مدينة ومنطقة صناعية في 24 محافظة.
وتصدرت المشكلات المعيشية المسببات الرئيسية لهذه الاحتجاجات في إيران تليها المشكلات البيئية، ثم الثقافية، وأخيرا التذمر السياسي، حسب تحليل نشره مركز "الدراسات الاستراتيجية والدولية" الذي يتخذ من واشنطن مقرا له في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
ويمكن الإشارة إلى أن النظام الإيراني يعمل على تعزيز قوة أجهزته الأمنية والاستخباراتية فعليا منذ احتجاجات عام 2009، التي اندلعت في نطاق واسع وغير مسبوق تاريخيا عقب إعلان نتائج انتخابات رئاسة الجمهورية حينها بفوز الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد بولاية حكم ثانية، والمعروف بسياساته القمعية.
ويستخدم النظام الذي يقع على قمة هرمه السياسي المرشد الإيراني علي خامنئي، عناصر مليشيات مثل الحرس الثوري والباسيج إلى جانب قوات الأمن والوحدات الشرطية الخاصة كقوات ردع للمحتجين داخل البلاد.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات ليست موضوعا جديدا في إيران، لكن عددها ونطاقها حاليا مقارنة بما سبقها من حركات احتجاجية شعبية أمر جدير بالاهتمام.
وتكمن عوامل نجاح الاحتجاجات الإيرانية التي وجدت لها دافعا جديدا بعد اندلاع احتجاجات في لبنان والعراق ضد تدخلات نظام خامنئي بوجود قيادة مركزية لها (الاحتجاجات داخل إيران)، فضلا عن وحدة في الهدف والمصير المشترك بين الشعوب المختلفة التي تعيش داخل حدود الهضبة الإيرانية، حسب تحليل مركز "الدراسات الاستراتيجية والدولية".
يذكر أن الاحتجاجات التي شهدتها إيران بين الفترة من 15 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 1 ديسمبر/كانون الأول 2019 عمت أكثر من 200 مدينة بسبب غلاء مفاجئ بنسبة 300% بأسعار البنزين.
ولاقت ما عرفت باحتجاجات البنزين دعما من الإيرانيين حول العالم بما فيهم أطياف المعارضة بالمهجر، وعلى رأسها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الذي تمثله منظمة مجاهدي خلق (مقرها باريس).
وأعلنت منظمة العفو الدولية في آخر حصيلة لها 16 ديسمبر/كانون الأول 2019 أن 304 إيرانيين قتلوا في حملة أمنية لقمع الاحتجاجات التي اندلعت بسبب زيادة أسعار البنزين.
وشهدت احتجاجات نوفمبر/تشرين الثاني حملة اعتقالات لنحو 7 آلاف شخص على الأقل بينهم مراهقون ونساء، إضافة إلى صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان.
وهدفت السلطات الإيرانية من تلك الحملة إلى منع المعتقلين من التحدث علنا لمراسلي وسائل إعلام أجنبية عن كواليس قمع المحتجين على مدار أكثر من 3 أسابيع قطعت فيهم خدمة الإنترنت بشكل شبه كامل بداية من 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
وأظهرت مقاطع مصورة تداولها مستخدمون عبر الشبكات الاجتماعية إطلاق قوات الأمن الإيرانية الرصاص من مسافات قريبة ضد المتظاهرين بالشوارع.
ولم تصدر السلطات إحصاء رسميا بشأن ضحايا احتجاجات البنزين، رغم مرور أكثر من شهر كامل على الأحداث خلافا لأسلوبها المتبع في حالات مماثلة.
وذكرت مصادر حقوقية لوسائل إعلام محسوبة على المعارضة في الخارج بينها إذاعة فردا (مقرها التشيك)، أن السلطات الإيرانية سلمت جثامين بعض قتلى الاحتجاجات إلى ذويهم مقابل دفع مبالغ مالية طائلة، وعدم تحدثهم لوسائل إعلام عن ظروف مقتلهم.
ووصف مسؤولون إيرانيون بينهم المرشد علي خامنئي ورئيس البلاد حسن روحاني المحتجين بالمشاغبين والأشرار في محاولة لإضفاء شرعية على أداء عناصر قوات الأمن خلال استهدافها المتظاهرين بالرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع.
ولاحقا كوسيلة هروب بعد التنديد دوليا وأمميا بمدى قمع المحتجين في إيران، زعم مسؤولون أبرزهم علي شمخاني سكرتير مجلس الأمن القومي الإيراني، أن المحتجين قتلوا ببنادق صيد وأسلحة غير حكومية.
aXA6IDMuMTQ0LjQzLjE5NCA= جزيرة ام اند امز