حين تقع عيناك هذه الأيام على قنوات ومنصات ومواقع إخبارية مختلفة تتبع لإيران، أو تدور في فلك إيران ومليشياتها، ستجد هذه السردية الخبرية هي المسيطرة تقريباً، إسرائيل مرتبكة، الكيان ضعيف، الجيش الإسرائيلي منهار، العدو سيخسر المعركة إلى آخره من هذه المفردات.
والسؤال هنا لإيران قبل مليشياتها: إذا كانت إسرائيل تعيش هذه الحالة بحسب إعلام إيران، لماذا لا تسارع إيران إلى خوض معارك التحرير، وتقرير المصير، وتسيير فيلق القدس لإنقاذ فلسطين، أليس هذا هو الوقت المناسب؟
والإجابة عن ذلك واضحة وبسيطة لمن لديه عقل يفكر به، إيران تستثمر في القضية الفلسطينية، ولا تريد حلها، ولو نجح الفلسطينيون في الوصول إلى التحرير الموعود لوقفت إيران في وجههم، ودعمت إسرائيل علناً ضدهم، لأن إيران كصاحب حانوت أو دكان، يسترزق منه صباح مساء، إذا أتيت لإغلاق حانوته سيمنعك، ويرفض أي طريقة تقوم بها لإيقاف مصدر دخله.
ولم تخالف إيران في فلسطين سياساتها في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، وطبقت ذات الاستراتيجية، ونفذت كل أشكال هذه العبثية، ففي العراق بعد الاحتلال وبعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، والتعاون الأمريكي الإيراني الوثيق، رفضت إيران ولا تزال ترفض قيام حكومة عراقية حقيقية، أو السماح بصناعة بنية سياسية جديدة وغير قابلة لتنفيذ أجندات إيران، بالعكس تماماً، أسست إيران المليشيات، وأمدتها بالسلاح والعتاد العسكري، وساعدتها تحت عناوين دينية كي تسيطر على الدولة العراقية ومقدراتها، وبقي العراق نفطاً وثروة وموازنة في جيب إيران، وأهلكت إيران فيه الحرث والنسل، ولا تزال هي ومليشياتها تحاربان كل جهد عربي لمساعدة العراق.
وفي سوريا منعت إيران أي حل سياسي، حتى إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعترف بدور طهران السلبي في سوريا خلال مقابلة تلفزيونية سابقة له، وحاربت إيران أي دور عربي في دمشق، وعطلت كل أشكال التلاقي بين السوريين، وسعت وتسعى لجعل سوريا دولة فاشلة غير قابلة للحياة.
وفي اليمن لا يمكن لعاقل أن ينكر ذلك الدور الإيراني العبثي الخطير، والدعم الإيراني لمليشيات الحوثي الانقلابية الإرهابية، وجعل صنعاء مقراً ومستقراً من أجل التآمر على دول الخليج العربي وزعزعة الأمن الإقليمي، لا سيما الملاحة البحرية في مضيق باب المندب وخليج عدن.
وفي لبنان يفتخر زعيم مليشيات حزب الله حسن نصر الله بتبعية مطلقة لإيران، وتنفيذ كامل لأجندات الحرس الثوري الإيراني، ومساهمة مباشرة في دعم كل جهود إيران ضد بلده لبنان وضد مصالح الشعب اللبناني.
وربطاً لكل هذا الطرح الذي مررت عليه في سوريا والعراق ولبنان واليمن، لن تجد أداء إيران مختلفاً في فلسطين، بل هو جزء من سياسة الاستثمار في الأزمات، وليس المساعدة على إنهائها، ففي وقت يلبس به أهالي غزة الأكفان، قبضت إيران الأثمان.
ولم نجد في أزمة غزة من يضمد جراح فلسطين إلا دول الخليج العربي ومصر والأردن. هبت السعودية والإمارات لإرسال مساعدات ضخمة وغير مسبوقة، ناهيك عن دبلوماسية دولية متواصلة، وسعت مصر وقطر لهدنة يتم تجديدها، وغير ذلك من جهود الأردن المواكبة للعمل العربي. ولن أفشي سراً لو قلت: لا حرب تؤجلها إيران أصلاً مع إسرائيل، إيران ليست بوارد التفكير حتى في خوض هذه الحرب، تتقبل إيران ضربات إسرائيلية متتالية لها في سوريا والعراق وحتى داخل إيران، وتعتبر ذلك كله ضريبة مقبولة مقابل شعارات تبيعها وعنتريات تصدرها ومليشيات تصنعها، لكن على أرض الواقع إيران الخميني وخامنئي لم تخطط يوماً لحرب مع إسرائيل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة