أزمة المناخ ظلت رهينة للأقوال والخلافات بين الأطراف، ولم تشهد التزاما حقيقيا بمواجهتها بصورة جادة ومخلصة؛ تعلي المصلحة العليا للبشرية فوق المصالح الضيقة، وتفكر في مستقبل الإنسانية كمسؤولية أخلاقية يجب أن يلتزم بها الجميع؛ لأن البشر في قارب واحد..
يواجه الجميع تحديات مشتركة. ولعل جائحة كورونا قد علمت جميع المجتمعات درسا أن العالم أصبح فعلا قرية واحدة.
وضع تجسد بداية من مؤتمر الأمم المتحدة حول التغير المناخي الذي عقد في برلين عام 1995، وعرف بـCOP1، مرورا باتفاقية كيوتو التي تم التوصل إليها في COP3 بمدينة كيوتو باليابان عام 1997 إلى COP27 الذي عقد في القاهرة عام 2022، الذي شهد لأول مرة التزامات حقيقية من الدول الصناعية المتقدمة تجاه الدول التي تحاول أن تسلك طريق النمو.
كان هناك خلاف مستمر بين الأطراف الموقعة على اتفاقية كيوتو 1997، التي انقسمت إلى مجموعتين هما الدول الصناعية المتقدمة التي بدأت ثورتها الصناعية منذ ثلاثة قرون وهي أوروبا وأمريكا، والدول التي تحاول الانتقال من الاقتصاد الزراعي أو اقتصاد الموارد الأولية إلى التصنيع، وتطالب أن تدفع ثمن مشكلة لم تسهم في خلقها، ولم يكن لها دور فيها، بأن تمتنع عن الانطلاق في عملية تصنيع تحقق لها الاحتياجات الأساسية التي يحتاجها شعبها.
إلا أنه مع قدوم قمة المناخ COP28 إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، فسيشهد العالم مرحلة جديدة تماما، عنوانها الأفعال الواقعية التي تواجه تحدي المناخ بأفكار مبتكرة وفعالة، وتلتزم بالأهداف الإنسانية العليا للحفاظ على مستقبل البشرية؛ بعيدا عن الانغلاق في المصالح الضيقة، بسبب التزام دولة الإمارات بإيجاد حلول فعالة لمشكلة المناخ.
فعلى الرغم من أن دولة الإمارات من الدول الكبرى المصدرة للنفط، التي من الطبيعي أن تكون مصالحها متعلقة بالحفاظ على النفط كمصدر رئيسي للطاقة، فإنها والتزاما منها بالمبادئ العليا للحفاظ على مستقبل العالم ومواجهة تحدي التغير المناخي كانت الدولة التي استضافت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة 2009، في عاصمتها أبوظبي. هذه الوكالة التي تعتبر نظريا هادفة لإيجاد بدائل للنفط، وهو ما لا يعتبر مصلحة مباشرة لدولة الإمارات، لكن لأن قيادتها تؤمن بالتفكير خارج الصندوق وتتحرك بصورة قوية لمرحلة ما بعد النفط، كانت سباقة في الدفع نحو الطاقة البديلة.
وقبل دخول العالم في حوارات جدية حول المناخ ما بين 2011 و2015، بادرت دولة الإمارات بإطلاق أكبر مشروع للطاقة البديلة، بإنشاء مدينة مصدر عام 2006 التي تحولت إلى مؤسسة عالمية تقدم بدائل من الطاقة البديلة خصوصا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتقدم كذلك نموذجًا لمدينة تعتمد كليا على الطاقة البديلة في بيئة من أكثر بيئات العالم ارتفاعا في درجات الحرارة.
وبعد مرور ما يقارب عقدين من الزمان، توسعت مشروعات «مصدر» في مختلف أنحاء العالم، وقدمت حلولا مبتكرة للعديد من الدول في آسيا وأفريقيا لتوفير الطاقة التي تحتاجها عملية التنمية، وتحتاجها أيضا رفاهية الشعوب من خلال الاعتماد على الطاقة النظيفة، وهذا يساعد بدوره على تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ لأن الطاقة أصبحت هي المصدر الأساسي لكل وسائل وأدوات التنمية من التعليم والصحة والصناعة، والزراعة، والتجارة، وغيرها.
مع قيادة دولة الإمارات الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28، سيشهد العالم مرحلة جديدة من العمل الجاد على المستوى الفعلي الذي تقوم به الحكومات والشركات الاقتصادية الكبرى، لتقديم مبادرات فعلية لمواجهة تغير المناخ من خلال الاعتماد على الطاقة المتجددة.
وهنا ستكون "مصدر" في مقدمة المبادرات العالمية لمساعدة دول العالم الثالث خصوصا، وتمكينها من توليد الطاقة المتجددة من الشمس والرياح، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة، ويساعد هذه الدول على تجاوز تحديات التمويل، وفي نفس الوقت يسهم في تخفيض حرارة الأرض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة