أزمة الشرعية في داخل إيران،دفعت نظام الولي الفقيه الى استنساخ الحرس الثوري و المليشيات التابعة له.
شهدت إيران في الأيام الأخيرة سلسلة من المظاهرات الاحتجاجية، ضد سياسات الولي الفقيه الداخلية والخارجية على حد سواء ،تظاهر فيها مجموعة كبيرة من طلاب أهم الجامعات، بالإضافة إلى تجمعات عمالية غاضبة في أنحاء إيران، وحشود كبيرة من المعلمين الذين يواجهون تدهوراً كبيراً في وضعهم الاقتصادي والتهميش الاجتماعي.
وفي هذا السياق تتفاقم أزمة المؤسسات المالية المدعومة من مليشيا الحرس في إيران، و التي توسعت دون الحصول على التراخيص القانونية في عهد حكومة أحمدي نجاد القريبة من علي خامنئي، ويتهم مودعو الأموال هذه المؤسسات بأنها قبضت على الودائع المالية و لا تستطيع إرجاعها الى إصحابها، مما أثار إحباطاً كبيراً في وسط الشارع الإيراني،أدى إلى تجمعات احتجاجية شبه يومية في كل أنحاء إيران.
وإضافةً إلى ذلك، تأتي المواجهة بين نظام الولي الفقيه والقوميات المتعددة في إيران، التي تشكّل أزمة متجذّرة وعميقة ومزمنة بين النظام الإيراني، وتلك القوميات غير الفارسية من عرب الأحواز و الكُرد و الأذريين والبلوش و التركمن واللور؛ لتصبح مستعصية على الولي الفقيه، الذي لا يرى طريقاً لمواجهتها إلا بالقمع و السجون و الإعدامات.
و تحت هذه الظروف، يعيش النظام الإيراني أزمات متنقلة وقاتلة لا مفّر منها،تتفاقم يوماً بعد يوم وستتحول إلى إنفجار سياسي و اجتماعي، مثلما حصل في 2009 بعد الانتخابات الرئاسية، وتزييف نتائجها لصالح أحمدي نجاد في تلك المرحلة بأوامر من المرشد و تنفيذ الحرس و الباسيج.
يعتقد علي خامنئي أن قسماً كبيراً من الشعب الإيراني لا يستحق تقديم الخدمات الاقتصادية و الاجتماعية إليه،لأنه شعب غير موالٍ لنظامه، و الأنسب له أن يبحث عن موالين في المنطقة، وحصل على ضالته في المليشيات الطائفية.
و القادم حسب الاستنتاجات من داخل النظام، وعلى لسان المقربين من الرئيس حسن روحاني، سيكون أسوأ من ما حصل في عام 2009، حيث تُضاف أزمات حادة على قائمة جرائم وفشل النظام الإيراني، لم تكن موجودة في تلك الفترة، وفي مقدمتها حروب قاسم سليماني والمليشيات التابعة له في المنطقة، و انتكاسة الاتفاقية النووية التي وضعت الحكومة الإيرانية كل آمالها فيها لتحسين الأوضاع في إيران.
ويعاني النظام الإيراني من مشاكل بنيوية، تصعّب عليه الخروج من أزماته القاتلة. وتكمن هذه المشاكل المستعصية في أربع مفارقات يعيشها نظام الولي الفقيه منذ تأسيسه وحتى يومنا هذا، وتراكمت عليه الأمور طيلة الـ 39 عاماً الماضية؛ بسبب طبيعته الميّالة لخلق الأزمات واستمرار حياته تحتها. والمفارقات هي:
1- بعد 39 عاماً من حكم الولي الفقيه،ثبت لشعب إيران أن هذا النظام يفتقد "الكفاءة و الفعالية" لحل المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية والسياسية المستعصية في البلاد.
و الخميني منذ مجيئه إلى إيران وضع قانوناً للإدارة يؤكد فيه "الولاء للنظام أهم من الكفاءة"، وهذا القانون بعد 28 عاماً من رحيله ما زال حاكماً في إيران و بوتيرة أقوى، حيث فتح الباب إلى المتظاهرين بالولاء لنظام إيران.
لذلك ووفقاً إلى تعاليم الخميني وخَلَفَه علي خامنئي، إذا كان هناك مدير إيراني ثبت تورطه بالفساد أو إهدار الأموال العامة، أو ارتكاب جرائم بحق الشعب، لا يمكن أن يخضع للمساءلة طالما أنه ملتزم بولائه للنظام!
والرئيس السابق أحمدي نجاد، خير الأمثلة على نمط المدراء في النظام الإيراني، الذين يتظاهرون بالولاء لنظام الولي الفقيه ويفقدون الكفاءة اللازمة لإدارة الأمور.
ووفقاً إلى الإحصائيات الرسمية في إيران، سجلت فترة حكومة أحمدي نجاد، أعلى دخل من الموارد المالية في تاريخ النظام الإيراني الجديد بعد الثورة، وفي نفس الوقت شهدت البلاد تراجعاً كبيراً في المؤشرات الاقتصادية وزيادة الفقر و البطالة و الفجوة الاجتماعية، وفوضى في المؤسسات المالية، و هناك الآلاف من المدراء على غرار أحمدي نجاد الذين يعتبرهم المرشد "ذخر الثورة" و يجب رعايتهم مهما حصل.
2-التجاذب والتناحر بين الأجنحة الحاكمة في نظام الولي الفقيه حسب المصالح الفئوية ومتطلبات التيار السياسي. وفي الفترة الأخيرة، هذا التناحر في النظام الإيراني تعاظم حتى طال المؤسسات المخابراتية والأمنية، ورأينا صراعاً قوياً طفا على السطح بين وزارة الاستخبارات من جانب ومنظمة مخابرات الحرس من جانب آخر، حول موضوع تجسس "زهرة صادق لاريجاني" ابنة رئيس السلطة القضائية "صادق لاريجاني لصالح دولة أجنبية .
وهذا التناحر في بعض الأحيان يبعد نظام العمائم في إيران من اتخاذ قرارات عقلانية للخروج من أزماته ويخنقه بداخل الدوائر المتصارعة و من يتبعها.
و شهدنا مرات عدة تدخل المرشد لاحتواء الموقف، ولكن على الرغم من هذه التدخلات وسطوتها باءت جميعها بالفشل، والأزمة مازالت متواصلة وتتعمق يوماً بعد يوم.
3-الفجوة العميقة بين رؤية الشعب الإيراني لحلحلة الأمور، وتوجهات نظام الولي الفقيه البعيدة تماماً عن مطالب الشعب الذي يحلم بالديموقراطية والحريات الاجتماعية والتخلص من الإيدولوجية الطائفية.
الأولوية لدى الشعب الإيراني التوجه إلى الداخل وحلّ المشاكل المتراكمة عليه، الإيرانيون لا يبحثون عن العداء مع الشعب اليمني،أو سيطرة حزب الله على مقدرات الشعب اللبناني، أو الوقوف مع بشار الأسد وذبح الشعب السوري.
الشعب الذي يعتقد أن لديه مصادر كافية من الطاقة في داخل إيران من أجل بناء البلد، ولكن نظام الولي الفقيه وظّف كل هذه الطاقات خدمةً لمشاريعه التوسعية في المنطقة.
4-سياسة إقليمية توسعية يتبناها النظام الإيراني عكساً لما يطالب به عموم الناس في إيران.و هذه السياسة نابعة من فقدان شرعية الولي الفقيه في الشارع الإيراني، حيث لم يتبقَ موالٍ له إلا مجموعات الحرس و الباسيج و التابعون لهم.
أزمة الشرعية في داخل إيران،دفعت نظام الولي الفقيه الى استنساخ الحرس الثوري و المليشيات التابعة له في العراق و اليمن وسوريا ولبنان، من أجل إعادة الشرعية إليه حتى لو كانت من خارج إيران.
يعتقد علي خامنئي أن قسماً كبيراً من الشعب الإيراني لا يستحق تقديم الخدمات الاقتصادية والاجتماعية إليه، لأنه شعب غير موالٍ لنظامه، والأنسب له أن يبحث عن موالين في المنطقة، وحصل على ضالته في المليشيات الطائفية.
هذه المفارقات الأربع الخانقة، أصبحت اليوم جزءاً من روح وجسد نظام الولي الفقيه في إيران. بينما يصر النظام على استمرار سياساته الخالقة لهذه المفارقات.
وفي نفس الوقت تؤدي المفارقات الأربع إلى التصدّع في هيكلة النظام السياسي وتبعث أزمات جديدة نتيجتها المظاهرات والاحتجاجات الواسعة التي نشهدها من حين لآخر، وقد تؤدي إلى انفجار ثورة عارمة في إيران، يصعب على الولي الفقيه إخمادها مثلما قام به في عام 2009.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة