ظروف صعبة يعيشها العراق على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.
هذا ما يجعل العراقيين يضيقون بتحوّل بلاد الرافدين، التي تنماز بعطائها ووفرة ثرواتها، إلى بلدٍ تنهشه البطالة والفساد والصراعات السياسية.
إنّ عدَّ الظروف، التي يعيشها العراق، بـ"الاستثنائية" لا غلو فيه، لا سيما وأن العراق منذ عام 2003 يعيش حالة ارتباكٍ سياسيٍّ داخلي وتجاذباتٍ خارجية، انعكست على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية:
أولاً- على الصعيد السياسي، فإنّ الفراغ الذي حصل بُعيد سقوط النظام السابق جعل العراق في حالة اضطرابٍ وتنازعٍ على الحكم، الأمر الذي هيّأ المناخ للاعبين الدوليين والإقليميين لتمرير أجنداتهم على شكل كتل سياسية متفرّقة يَجرُّ كلٌ منها الحبل إلى ضفته، أو كتل حزبية لصالح أخرى تحت وطأةِ فقدان الثقة بين التيارات المتنافسة، فصار بذلك القرار التوافقي العراقي شبه منعدم.
ثانياً- على الصعيد الاقتصادي، فكثرة اللاعبين الدوليين على أرض العراق، وما نتج عن ذلك من محاولة كل تيار سياسي التشبث بالحكم خشية الاندثار أمام التيارات الأخرى، جعل الهمّ الأكبر لتلك الأحزاب والتيارات يكمن في الاستيلاء على المشروعات الاقتصادية، والعمل على جمع أكبر قدر ممكن من المال، وإن كان على حساب الاقتصاد الوطني، وذلك من أجل ضمان ورقةٍ رابحةٍ تضمن البقاء على الساحة السياسية، وليس كالمال ورقة في هذا المضمار، فانعكس ذلك على استشراء الفساد وهدر المال الوطني مخلّفاً حياة بطالة للمواطن العراقي مصحوبة بسوء خدمات.
ثالثاً- على الصعيد الأمني، وهو مشهدٌ لا ينفصل عن المشهدين السياسي والاقتصادي، وإنْ يضاهيهما خطورةً، فهو مبنيٌّ بالأساس على الاضطراب السياسي وتردي الأوضاع الاقتصادية، ولكن أشد ما يخيف منه يكمن في التحول إلى صراعٍ طائفيٍّ يعصف بالبلاد ساسةً ومواطنين، لا سيما وأنّ الأجندات الخارجية العابثة بالبلاد، وأولها وأخطرها إيران، لا تدخر جهداً في اللعب على وتر هذا الصراع لتحويل البلاد من دولة قانون ومؤسسات إلى مليشيات.
كلُّ هذا وغيره من الأسباب الأخرى المتشابكة ومفرزاتها على المشهد الواقعي لحياة العراق والعراقيين، يجعل هذا البلد اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى أمام حاجة ملحةٍ إلى مَن يرقون إلى مستوى ظروفه الاستثنائية، يؤمنون بتغليب المصلحة الوطنية على أي مصلحة شخصيّةٍ أو حزبية أو سياسية، وهذا لا يمكن أنْ يحدثَ مصادفةً أو بين ليلة وضحاها، وإنما يتطلب حواراً عراقياً-عراقياً يُفضي إلى توافقٍ سياسيٍّ شاملٍ، من أجل التوصل إلى صيغةٍ توافقية تعيد هيكلة المشهد على أسس وطنية وتنموية تضرب عُرض الحائطِ بكل ما من شأنه تقويض نهوض العراق وتنميته، وصولاً إلى المكانة التي يستحقها على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، وليس هناك فرصة مواتية كفرصة اليوم بعد نجاح البرلمان بالانعقاد، وما سيلي ذلك من حوارات لتشكيل الحكومة، إذ يمكن استغلالها للخروج بصيغة توافقية تعيد العراق إلى جوهره وألقه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة