إيران دولة من العالم المتخلف لذلك سوف تنتج لعناصر السلطة في الدوحة حقنة سياسية بمكونات رديئة مغشوشة
قطر حسب العرف التاريخي والعلم السياسي في حاجة دائمة إلى العيش في منظومة توفر لها الحماية والاستقلال، فالأمم المتحدة تقبل في أعضائها دولاً كثيرة بحجم قطر وأصغر، ولكن القضية أبعد من ذلك فهناك قاعدة سياسية لفهم التأثير السياسي للدول.
ما بين عامي 1948م والعام 2013م مرت 65 عاماً تناوب في حكم قطر 6 من العائلة الحاكمة هناك، ولكن ليس في مسار وراثي مستقر فعملية الانتقال بين 6 أشخاص كانت عملية سياسية شاقة يتم فيها نقل مؤسسة الحكم من فرع إلى آخر، حيث تناوب السلطة فرعان في الأسرة الحاكمة ليس بشكل سلمي ولكن من خلال استيلاء قسري على السلطة، أي بمعدل 10 سنوات لكل فترة.
السبب الرئيس في ذلك أن حجم هذه الدولة جغرافياً وسكانياً وتاريخياً لا يمكنها أن تنضج كدولة ذات استقرار يمكن صيانته، بمعنى دقيق هذه الدولة لم تتعلم من التاريخ أن مقادير بناء دولة مستقرة بحجم قطر يمكن جلبها من الخارج وخاصة من الدول الصديقة والقريبة، وأعتقد أن منظومة مجلس التعاون الخليجي أسهمت بشكل كبير في منح قطر معايير الاستقرار السياسي والاجتماعي خلال العقود الأربعة من عمر المجلس.
قطر حسب العرف التاريخي والعلم السياسي في حاجة دائمة إلى العيش في منظومة توفر لها الحماية والاستقلال، فالأمم المتحدة تقبل في أعضائها دولاً كثيرة بحجم قطر وأصغر، ولكن القضية أبعد من ذلك فهناك قاعدة سياسية لفهم التأثير السياسي للدول هذه القاعدة تقول: إن هناك تناسباً طردياً بين تاريخ الدول ومساحاتها الجغرافية والسكانية وبين قدرتها على التأثير وهذه القاعدة ليست بينها القدرات الاقتصادية والمال لأن التاريخ السياسي للعالم كله لم يسجل قدرات خارقة للمال السياسي عندما يرغب في شراء مكانة تاريخية أو جغرافية أو سكانية لأي دولة.
تذهب الدوحة اليوم إلى إعادة علاقاتها مع طهران في مسعى جدي للبحث عن حقنة سياسية جديدة ولا يمكن أن نعلم مكوناتها هذه المرة، فإيران دولة من العالم المتخلف لذلك سوف تنتج لعناصر السلطة في الدوحة حقنة سياسية بمكونات رديئة مغشوشة
قطر اليوم تفهم هذه القاعدة ولكن بطريقة خاطئة فهي لاترغب في أن تكون ضمن محيطها السياسي في المنطقة الخليجية، والحقيقة أن الطموح غير المتزن الذي ظهرت مؤشراته في منتصف التسعينيات الميلادية من القرن الماضي أثار الكثير من الأسئلة حول تعاطي السلطة في قطر لحقن من مادة سياسية خطيرة.
في منتصف التسعينيات الميلادية بدا واضحاً أن السلطة في قطر سوف تدمن الطموح السياسي غير العقلاني في دولة صغيرة في كل شيء، وقد قامت بعض الدول التي يعرفها الجميع بحقن قطر بمادة سياسية مخدرة جعلت السلطة في الدوحة تتخيل مشروعاً سياسياً يمنحها السيطرة.
لقد كانت الحقنة السياسية قوية جدًا إلى درجة أن التصورات التي وضعتها السلطة في الدوحة شملت السيطرة على كل العالم العربي بلا استثناء، هذه التصورات لا يمكن أن تحدث في الواقع لأنها غير منطقية وغير قابلة للتطبيق أبداً، لذلك تم تعاطي تلك الحقنة بشكل مستمر أسهمت دول كثيرة في توفيرها لتكون جاهزة، حيث لا تفقد السلطة هناك تصوراتها حول قيادة الشرق الأوسط.
في عام 2011م حصل ارتباك دولي حول توفير هذه الحقنة السياسية للدوحة، وبدا أن هذه الحقنة لم تعد متوفرة في أسواق السياسية العالمية التي تراجعت عن إنتاجها لصالح مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي فشل في تحقيق أهدافه، لذلك حاول الإخوة الخليجيون والخائفون على السلطة في قطر إعادة قطر إلى وعيها السياسي عبر جرها إلى توقيع مذكرة إقلاع عن الحقن السياسية الدولية والعودة إلى الواقعية السياسية بعد انكشاف نوع تلك الحقن وتأثيرها على الدوحة.
ومع كل ذلك إلا أن الإدمان على هذه الحقن أصبح سمة تميز السلطة في الدوحة، لذلك تذهب الدوحة اليوم إلى إعادة علاقاتها مع طهران في مسعى جدي للبحث عن حقنة سياسية جديدة ولا يمكن أن نعلم مكوناتها هذه المرة، فإيران دولة من العالم المتخلف لذلك سوف تنتج لعناصر السلطة في الدوحة حقنة سياسية بمكونات رديئة مغشوشة قد تؤدي إلى الموت في نهاية الأمر، لأن التاريخ يخبرنا أن الإدمان السياسي عبر تلك الحقن ينتهي إلى الموت السريع.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة