الإدارة الأمريكية أصبحت لديها أخيراً رؤية شاملة لطبيعة الخطر الإيراني تتجاوز موضوع الملف النووي إلى جميع تجليات السلوك الإيراني العدائي
في خطابة الأول حول السياسة الخارجية الأمريكية منذ توليه منصبه.. وضع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قائمة من 12 مطلباً وضعتها بلاده واشترطت على إيران الالتزام بها قبل تطبيع العلاقات معها، ما يلفت النظر في قائمة المطالب هذه إلى أن البرنامج النووي لإيران لم يستحوذ سوى على 3 بنود فقط تعلقت بوقف تخصيب اليورانيوم وتقديم تقرير لوكالة الطاقة الذرية حول البعد العسكري للبرنامج، ومنح مفتشي الوكالة إمكانية الوصول إلى كل المواقع في البلاد، فيما ركزت 9 بنود على سلوك إيران المزعزع لأمن واستقرار المنطقة ودورها في تأجيج صراعات الشرق الأوسط وتهديد أمن واستقرار دول الجوار، وبرنامجها للصواريخ الباليستية، وهنا يمكن استنتاج أن الإدارة الأمريكية أصبحت لديها أخيراً رؤية شاملة لطبيعة الخطر الإيراني تتجاوز موضوع الملف النووي إلى جميع تجليات السلوك الإيراني العدائي في المنطقة كتدخله في شؤون دول المنطقة وتهديده لأمن الحلفاء التقليديين لواشنطن ودعمه لمليشيات مسلحة وجماعات إرهابية.
الإدارة الأمريكية أصبحت لديها أخيراً رؤية شاملة لطبيعة الخطر الإيراني تتجاوز موضوع الملف النووي إلى جميع تجليات السلوك الإيراني العدائي في المنطقة كتدخله في شؤون دول المنطقة وتهديده لأمن الحلفاء التقليديين لواشنطن ودعمه لمليشيات مسلحة وجماعات إرهابية.
وفي تقديري الشخصي أن هذه الرؤية تنطلق من فرضية أن مشكلة إيران مع المجتمع الدولي ليست في برنامجها النووي، المشكلة في وجود مشروع إيراني يسعى للتمدد في المنطقة بجميع الطرق والوسائل غير المشروعة والدخول في تحالفات مذهبية، ودعم جماعات إرهابية، وما البرنامج النووي إلا أحد تجليات هذا المشروع، فلو كانت إيران دولة طبيعية تحترم جيرانها ولا تتدخل في شؤونها ولا تتآمر عليها ولا تذكي نار الصراعات الطائفية والمذهبية في المنطقة ولا تسعى لتصدير ثورتها المزعومة لما أثار برنامجها النووي هذا القدر من الشك والريبة، رغم تفانيها وتفاني حلفائها في الدفاع عن سلميته، فهناك دول كثيرة من بينها الهند وباكستان طورت برامج نووية لكنها لم تثر حفيظة المجتمع الدولي، وهناك دول عربية كدولة الإمارات العربية المتحدة تطور برامج للطاقة النووية لأغراض سلمية، لكنها تحظى بثقة المجتمع الدولي، إذن المشكلة تتمثل في أنه لا أحد يثق في سلوك النظام الإيراني ولا يثق بالتالي في تعهداته، خاصة إذا كان هذا النظام ثيوقراطياً عقائدياً لا يتورع عن فعل أي شيء تحت شعار الدين وخلف ستار الجهاد في سبيل الله، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية.
الإدارة الأمريكية أدركت مؤخراً هذه الحقيقة، حقيقة أن خطر إيران في مشروعها وليس فقط في برنامجها النووي، لذا تسعى واشنطن حالياً لصياغة مقاربة شاملة تتعامل مع المشروع الإيراني برمته وليس فقط مع تجلياته النووية، ولهذا لم تكتفِ واشنطن بالانسحاب من الاتفاق النووي لكنها اتبعت ذلك بخطوات أكثر أهمية، ولعل ما أعطى زخماً للإدارة الأمريكية في مسعاها الحالي هو التغييرات التي حدثت في الإدارة بخروج تيلرسون من وزارة الخارجية ودخول مايك بومبيو ودخول جون بولتون مستشار للأمن القومي بديلاً لهربرت مكمساتر، فمع تلك التغييرات انتهت ازدواجية صنع القرار في الإدارة الأمريكية.
تلك الازدواجية التي عطلت تنفيذ رؤية ترامب حيال إيران لأكثر من 17 شهراً، فتيلرسون ومكمساتر كانا ضد انسحاب بلادهما من الاتفاق النووي مع إيران، على العكس من بومبيو الذي تعهد بوضع الدبلوماسية الأمريكية لخدمة أهداف السياسة الخارجية لترامب، وهدد بفرض "أقسى عقوبات في التاريخ" على إيران، وبولتون الذي يعد من أكثر المسؤولين الأمريكيين وضوحاً في رؤيته تجاه إيران، ربما أكثر من ترامب نفسه، وكان قد دعا في مقال له في نيويورك تايمز في 2015 إلى قصف إيران لمنع نظامها من الحصول على سلاح نووي، مؤكداً أنه لا يمكن تحقيق المطلوب إلا من خلال عمل عسكري فقط مشابه لهجوم إسرائيل على العراق عام 1981 وعلى سوريا عام 2007، وفي يناير الماضي نشر بولتون مقالاً في وول ستريت جورنال انتقد فيه الاتفاق النووي ووصف توقيعه من قبل أوباما بأنه أكبر "خطأ دبلوماسي" يمكن أن يرتكبه رئيس أمريكي، إذن أصبحت الإدارة الأمريكية أخيراً على قلب رجل واحد في رؤيتها لطبيعة الخطر الإيراني، وتلاشت كثير من العقبات الداخلية التي كانت تعيق ترجمة رؤيتها هذه في استراتيجية واضحة المعالم قابلة للتنفيذ، وأعتقد أن ما يجرى حالياً في أروقة الإدارة الأمريكية هو محاولة صياغة مقاربة شاملة للتعامل مع النظام الإيراني انطلاقاً من مشروعه وليس من برنامجه النووي.
عناصر هذه المقاربة بدت كافية وجيدة إلى حد كبير، عرض بعضها مايك بومبيو في خطابه الإثنين الماضي أمام "مؤسسة التراث" في واشنطن، وبعضها يتم تداوله بشكل واسع داخل الأروقة الأمريكية ومراكز التفكير القريبة منها، مثل الحديث على خيار تغيير النظام الإيراني إذا فشلت محاولات تغير سلوكه، لكن يبقى الأهم من عناصر هذه المقاربة هو إمكانية وكيفية وتوقيت تنفيذها، وماهية القوى الإقليمية والدولية التي ستشارك في تنفيذها؟ وكيفية التعامل مع الأطراف التي ستحاول إعاقة تنفيذها لتعارضها مع مصالحها؟ هذه الأسئلة ستكون الإجابة عنها موضوعاً لمقالنا المقبل إن شاء الله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة