لكي يكون العرب هم الفاعل الأقوى في منطقتهم لابد من التكتل للتصدي لتلك المشاريع القديمة المتجددة، وهذه ليست مثالية مستحيلة.
"بين العجم والروم بلوة ابتلينا" مثل عراقي نشأ إبان التنافس العثماني الفارسي على بغداد حين كانت المدينة هدفاً للفرس والعثمانيين، ما أدى في مرحلة من المراحل إلى اقتتال العرب فيما بينهم، تارة مع هذا وتارة مع ذاك، لكنهم اكتشفوا لاحقاً أن الغريب لم يكن يبالي بهم وإنما كان يستخدمهم لنيل أغراضه، فشاع بينهم المثل السالف ذكره.
وبالتالي لكي يكون العرب هم الفاعل الأقوى في منطقتهم لابد من التكتل للتصدي لتلك المشاريع القديمة المتجددة، وهذه ليست مثالية مستحيلة بالنظر إلى أشكال التعاون التي تجمع أضداداً في المنطقة والعالم.
وها هو التاريخ يعيد نفسه، هذه المرة ليس في بغداد فحسب، إنما في أماكن متعددة من عالمنا العربي الذي يبدي نزرٌ من أبنائه انحيازات لأحد الطرفين فيستميت في الدفاع عنه بزعم مناصرتهِ لقضيتهِ. لكن آمال هؤلاء خابت وحججهم فُندت بعد أن تكشّف الدور التركي والإيراني في المنطقة وأعلن التقارب بين الطرفين الذي يكاد يصل إلى مرحلة التحالف في العديد من الملفات، من أجل تعزيز نفوذهما في الشرق الأوسط، وكل ذلك على حساب شعوب عربية.
فالدور التركي كما الإيراني بان للملأ بعد أزمات المنطقة التي شكّلها الطرفان في دول مثل سوريا واليمن، كما أن التفاهم التركي الإيراني برز بشكل جلي انطلاقاً من العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية، فالطرفان عقدا إلى جانب الروس تحالفاً لتوزيع النفوذ في سوريا بطريقة نسفت كل الخطب الرنانة التي كان يتغنى بها الأتراك، لتحظى أنقرة بمناطق في الشمال السوري، والتهم الإيرانيون مدينة حلب وفق اتفاقات استسلام تحت عين الحليف التركي، فيما وقفت أنقرة مع البرنامج النووي الإيراني، وفي الجانب العسكري شكّلت الزيارة التي قام بها رئيس هيئة الأركان الإيراني محمد باقري إلى تركيا علامة فارقة في العلاقات بين البلدين، فهي الزيارة الأولى لرئيس هيئة أركان إيراني إلى تركيا منذ عام 1979، وأظهرت المحادثات التي قام بها باقري قدراً كبيراً من التنسيق الأمني والعسكري إزاء الملفين الكردي والسوري في الوقت الذي لا تمانع فيه تركيا من مد إيران بأحدث أسلحتها. أما في الجانب الاقتصادي يخطط الطرفان للوصول إلى 30 مليار دولار من التبادل التجاري خلال الخمس سنوات المقبلة.
كل هذه التفاصيل تؤكد أنه لا بديل عن الانحياز إلى الجانب العربي والعربي فقط الذي أثبت أنه الوحيد القادر على حماية المنطقة بلا أطماع سياسية واقتصادية، فيما يدعو التقارب الإيراني التركي- أو ربما التحالف قريباً- بالضرورة إلى خلق كتلة سياسية وأمنية واقتصادية عربية موحدة في مواجهة جميع الأحلاف الإقليمية الرامية إلى وضع المنطقة تحت مظلات الدول باستغلال الخلافات العربية.
وبالتالي لكي يكون العرب هم الفاعل الأقوى في منطقتهم لابد من التكتل للتصدي لتلك المشاريع القديمة المتجددة، وهذه ليست مثالية مستحيلة بالنظر إلى أشكال التعاون التي تجمع أضداداً في المنطقة والعالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة