وفق السلوك السياسي الإيراني، فإن الدور الأمريكي في إيجاد حل سلمي لتهديداته للاستقرار العالمي، انتهى عملياً.
الانفعال السياسي لنظام الملالي في إيران تجاه العقوبات الاقتصادية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في بداية هذا الشهر، هو بمثابة "جائزة كبرى" للإدارة الأمريكية، حيث يسهل عليها تعبئة الرأي العام العالمي ضده، ويؤكد صحة افتراضات ترامب تجاه السلوك والسياسات المتطرفة لهذا النظام في تعامله مع المجتمع الدولي، وفي تطرفه حتى في إدارة أزماته السياسية، مع أن المنطق هو العقلنة والتهدئة.
الأزمة الحالية تحتاج من الإيرانيين ضبط النفس كي يدركوا التبعات التي يقومون بها، ولأن ما يفعلونه هو أسوأ عليهم مما يقوم به دونالد ترامب، لكن يبدو أن الأمر بات متعذرا مع نظام لم يعد يسعى لإنقاذ نفسه؛ لأن التعنت والغطرسة هما سيدا الموقف في إدارة أزمته داخلياً وخارجياً
وفق السلوك السياسي الإيراني، فإن الدور الأمريكي في إيجاد حل سلمي لتهديداته للاستقرار العالمي انتهى عملياً من خلال أسلوبين اثنين؛ الأسلوب الأول: سعي النظام الإيراني لامتلاك السلاح النووي، ومن خلال التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وكذلك في إثارة الفوضى في المنطقة من خلال دعم المليشيات الطائفية.
والأسلوب الثاني: برفض وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، قبل يومين، عقد أية محادثات بين طهران وواشنطن في المستقبل القريب، مشيراً إلى أن الرئيس حسن روحاني كان قد أعلن موقفه صريحاً تعقيباً على اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستعداده إجراء محادثات مع إيران بأن أمريكا دولة لا يمكن الثقة بها.
التعجل والانفعال في استخدام لغة التهديد كانا واضحين لدى السياسيين الإيرانيين، ربما لأنهم يعيشون مأزقاً حقيقياً هذه المرة في القرارات، بل إن انتشارها لم يكن يدل على وجود من يضبطها أو يسيطر عليها كما هو معتاد بين المحافظين والإصلاحيين، فيما كنا نعتبره توزيع الأدوار في التخاطب مع العالم الخارجي التي كان يجيدها النظام، فصرنا نشاهد بحرا من التصريحات المتعددة الاتجاهات والتهديدات، وبتشجيع من المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، وهو ما يبعث على الرثاء لحالهم؛ لأن أحد أخطاء نظام صدام حسين أنه كان انفعالياً مع الاستفزازات الأمريكية.
وما يزيد "الطين بلة" أن تهديدات المسؤولين الإيرانيين ضربت كل حالات التعاطف الإقليمية والدولية بإغلاق مضيق هرمز، وبإعلانهم إصدار أوامرهم للحوثيين باستهداف ناقلتي نفط السعوديتين، واستعراض صاروخ باليسيتي، وإجراء مناورات بحرية في وقت يفترض أن يفعلوا غير ذلك، كما أن الأمر يزداد سوءاً أنه ربما وللمرة الأولى التي يحظى الموقف السياسي الإيراني بتأييد جميع القوى السياسية، وكأنها محاولة علانية لابتزاز كل من يحاول أن يفكر أن هناك تأييدا لموقف الإدارة الأمريكية.
أفضل نصيحة دبلوماسية يمكن تقديمها في هذه اللحظة للنظام الإيراني هي: ضبط النفس؛ ذلك أن صدمة الانفعال والتهديد لها تأثيرها على الرأي العام العالمي لا تخدمه، فهو يواجه ضغوطات خارجية وداخلية من الشعب من خلال الاعتصامات المظاهرات المستمرة، ويبدو أن يتمنى زيادة الضغوط الدولية على النظام ليس فقط لتغيير سلوكه ولكن لتغييره.
اعتاد النظام الإيراني أن يستخدم ألفاظا خادعة لشعبه لترويج مشاريع وطموحاته السياسية منذ أكثر من أربعة عقود، ولكنه اليوم هو أمام مواجهته، وليس لدى النظام حيلة جديدة فبات مكشوفاً أمامه وأمام الرأي العام العالمي، وتصريحات مسؤوليه تعبير صريح عن فشل الدبلوماسية الإيرانية بقيادة وزير خارجيتها محمد جواد ظريف في إدارة الأزمة الحالية، فهو لم يعد بإمكانه أن يجعل شعبه في مأمن من أي صعوبات قادمة في الداخل والخارج.
دارسو العلاقات الدولية يعتقدون أن تسوية الصراعات ترتبط بتواصل أطرافها لدرجة من التوازن تجعل كل طرف يقتنع أنه لا يمكنه أن يحسم مصير الصراع بإرادة منفردة، وبالتالي فإن التوازن بين الموقف الأمريكي الحالي والإيراني، مختل بشكل فادح، وبالتالي استمرار النظام الإيراني في موقفه سوف يعمق هذا الخلل ويؤكده ويحسمه لصالح واشنطن، وكما تبدو الأمور فإن مجرياتها تسير نحو هذا الاتجاه.
الشاهد أن خطابات الساسة الإيرانيين حافلة بالتهديدات والمغالطات الموجهة إلى جيرانهم وحلفائهم قبل الولايات المتحدة، وللأسف أنها كلها ممارسات تدينهم، ولا يدركون أنهم يقدمون خدمة للإدارة الأمريكية في عدم بذل جهد لإقناع الرأي العالم العالمي بخطورة نظام طهران، وبالتالي يدخل الدولة كلها في نفق مظلم.
الأزمة الحالية تحتاج من الإيرانيين ضبط النفس كي يدركوا التبعات التي يقومون بها، ولأن ما يفعلونه هو أسوأ عليهم مما يقوم به دونالد ترامب، لكن يبدو أن الأمر بات متعذرا مع نظام لم يعد يسعى لإنقاذ نفسه؛ لأن التعنت والغطرسة هما سيدا الموقف في إدارة أزمته داخلياً وخارجياً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة