انطلق التهديد الإيراني للعالم مع الشرارة الأولى لثورة الخميني، بوصفها التحول السياسي الأكثر تأثيراً في المنطقة
انطلق التهديد الإيراني للعالم مع الشرارة الأولى لثورة الخميني، بوصفها التحول السياسي الأكثر تأثيراً في المنطقة، سواء من عناوين الثورة العريضة التي قسمت العالم إلى شياطين كبار وصغار، وتفننت في توزيع صكوك الموت والحياة تبعاً لذلك، أم لناحية التداعيات الناجمة عن هذا التحول، بدءاً من الطائفية التي أثخنت الجراح في ما تبقى من صف المسلمين المتهالك أصلاً، وليس انتهاء باتخاذ قرار «الانقضاض الأخير» على ممتلكات العرب الخاصة.
العد التنازلي لانهيار إمبراطورية المرشد بدأ منذ إعلان الاستسلام أمام ضربات المعارضة السورية، مؤذنة بالتدخل الروسي الذي حضر وفي جعبته ملفاته هو، بعيداً كل البعد من توسلات إيران، حتى أن المحافظة على المكتسبات لم تعد مهمة بالنسبة للسلطات الإيرانية
المختلف هذه المرة هو طريقة التهديد ونوعه، فعندما يتسلّم «المايك» قائد فيلق القدس الإرهابي قاسم سليماني، ويتوارى رئيس البلاد حسن روحاني إلى الصفوف الخلفية متجرعاً مرارة الوعيد الترامبي الشديد اللهجة والاحتقار السياسي، فذلك يشير إلى أن إيران ألقت بورقتها الأخيرة (أخيراً).
أدرك الإيرانيون قبل غيرهم الفرق بين مرحلة التلاعب بالعواطف، بما فيها مزاعم رمي إسرائيل في البحر، وبين مرحلة سليماني، «بلطجي» إيران، الذي تم إطلاقه في ما كان يعتقد أنها مهمة جني الحصاد، قبل أن تتحول إلى معركة شرسة تخوضها طهران دفاعاً عن نفسها! يمكن القول إن إيران لم تخطئ التقدير، إذ لا يوجد سيناريو يمكنه تلبية نهم التوسع العمائمي أفضل من الذي عاشته المنطقة، لكنها أخطأت عندما تجاهلت أن للآخرين حساباتهم أيضاً. ويشير وقوفها موقف المتفرج أمام سيل الضربات الأميركية والإسرائيلية المهينة والموجعة لقواتها وعملائها على الساحة السورية، إلى أنها استوعبت الدرس بعد فوات الأوان، الأمر الذي اضطرها في ما يبدو إلى استعارة دور المجنون من الجماعات الإرهابية التي تقوم برعايتها، في محاولة عبثية للتفاوض من أجل التوصل إلى أرضية فض اشتباك مع الجميع، بمن فيهم الشعب الإيراني، تضمن لآيات الله أن لا يروا عجائب انتقام الله، خصوصاً أن الإيرانيين قالوا كلمتهم حين أسقطوا على الأرض خدعة قداسة المرجعية التي طالما روج الملالي لها.
العد التنازلي لانهيار إمبراطورية المرشد بدأ منذ إعلان الاستسلام أمام ضربات المعارضة السورية، مؤذنة بالتدخل الروسي الذي حضر وفي جعبته ملفاته هو، بعيداً كل البعد من توسلات إيران، حتى أن المحافظة على المكتسبات لم تعد مهمة بالنسبة للسلطات الإيرانية، بدليل معاودتها طرح موضوع المصالحة مع الأطراف الخليجية، وفي مقدمها السعودية! يعلم الإيرانيون وعلى رأسهم خامنئي أن شروط الصلح أو الجلوس إلى طاولة التفاهمات لا تنطبق على الوضع الراهن، حيث الجميع بلا استثناء أقوى منهم. وفي اعتقادي أن التصعيد الأمني الأخير في باب المندب مرده إلى الارتباك في طهران جراء حال الذهول من خروجها خالية الوفاض، مثخنة بالخسائر، كما أنه مؤشر على استشعار الإيرانيين اقتراب دحر الانقلاب في اليمن بقيادة وكيلهم الحصري جماعة الحوثي، الأمر الذي عجل باستغلال إمكاناتها على ضفاف البحر الأحمر في ما يشبه الانتحار السياسي على طريقة الصدمة والترويع، كعادة إيران عندما تقدم الحجج التي تدينها على طبق من ذهب لخصومها.
إيران الحديثة ليست بالدولة التي تصنع الحدث بقدر ما هي متطفل على موائد الآخرين. وجودها بهذا الشكل كان ضرورياً في ساحة الصراع على النفوذ، قبل وصول الروس إلى المنطقة بعدتهم وعديدهم، لتتحول مسألة من يحكم إيران من هاجس روسي إلى ملف في خانة المساومات، في ظل الموقف الأميركي المتصلب تجاه النظام الإيراني، الداعم تطلعات شعوب المنطقة برمتها، والمبني على حقيقة مفادها أن الاستقرار مستحيل قبل القضاء المبرم على جذوة التطرف المتقدة في طهران.
نقلا عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة