ما يجري اليوم في العراق وكذلك في لبنان، كان بمثابة التحدي الحقيقي الذي قد يجعل ذلك الهلال يصبح مشروعاً متعثراً وصعب التحقيق.
الهلال الشيعي تشكّلٌ جغرافي يبدأ من إيران مروراً بالعراق فسوريا، وينتهي بلبنان. وهو يعتبر أحد أهداف جمهورية الولي الفقيه في إيران. وكان الملك عبدالله عاهل الأردن هو أول من أطلق هذا المصطلح، مُحذراً الدول العربية من التبعات الجغرافية الاستعمارية الخبيثة التي يهدف إليها هذا التوجه الإيراني الخطير.
السؤال الذي لا بد من الإجابة عنه: "هل كان الإيرانيون وأذنابهم سيظهرون بهذا المظهر البائس والمهترئ لو لم تكن العقوبات الأمريكية قد فعلت فيهم مفعولها؟".
بعد احتلال الأمريكيين العراق عام 2003، وتسليم العراق على طبق من ذهب لإيران، سواء كان ذلك عن قصد أم من غير قصد، بدا وكأن هذا الهلال أصبح ممكن التحقق فعلاً، خاصة بعد إحكام سيطرة الإيرانيين على سوريا وإحكام ذنبهم حزب الله سيطرته على لبنان، واستنجاد الأسد بالمليشيات الإيرانية للدفاع عنه في سوريا؛ كما سهل الأمور أكثر غض بصر الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن سياسة إيران الاستعمارية؛ سواء في العراق أو سوريا، بعد أن ترك لهم الحبل على الغارب مقابل قبولهم توقيع اتفاقية 5+1 في الشأن النووي التي كانت غاية المنى بالنسبة لذلك الرئيس المتردد.
انسحاب الرئيس ترامب من تلك الاتفاقية، والحصار الاقتصادي غير المسبوق على إيران، كان بمثابة العقبة الكأداء التي هزت قدرة إيران على إنجاز ذلك الهلال الذي عملت على تحقيقة، وأنفقت في سبيله المليارات. كما أن تمويل أذرعتها في المنطقة بعد الحصار أصبحت معادلة عسيرة تبحث عن حل، الأمر الذي أضعف مليشياتها في العراق، وكذلك أضعف من قدرات حزب الله وقدرته على شراء ذمم المتحالفين معه على الساحة اللبنانية.
ما يجري اليوم في العراق وكذلك في لبنان وتعمد الروس إبعادها عن التدخل في الشأن السوري، كان بمثابة التحدي الحقيقي الذي قد يجعل ذلك الهلال يصبح مشروعاً متعثراً وصعب التحقيق.
العراقيون يبدو أنهم قد عقدوا العزم على التحرر من الاحتلال الإيراني، وهم على ما يظهر على استعداد للتضحية بالغالي والرخيص لطرد الإيرانيين وأذنابهم الطائفيين من العراق، خاصة أن الثورة اشتعلت في وسط وجنوب العراق، ذي الأغلبية السكانية الشيعية، التي كان يستخدمها الإيرانيون للسيطرة والاستحواذ على العراق؛ ومن يتابع ما يحصل في العراق يجد أولاً أن الثورة الشعبية في تصاعد مستمر، وثانياً يتفاجأ بالكراهية التي يكنها العراقيون (الشيعة)، ناهيك عن السنة للإيرانيين ومن يتحالفون معهم من المتأسلمين العراقيين. وقد ظهر جلياً التخبط والارتباك الذي أظهره الإيرانيون تجاه هذه الثورة والثوار، فمرة يصفونهم بالمشاغبين وأخرى بالعمالة للخارج، بل إن أحد خطباء الجمعة في إيران وصفهم بالدواعش. وقد أظهر ثوار العراق شجاعة وإقداماً غير مسبوقين، عندما واجهوا (قناصي) إيران بصدورهم العارية، الأمر الذي يؤكد أن هذه الثورة ماضية حتى النصر، وأن (الطائفية) البغيضة التي يُعول عليها الإيرانيون سقطت سقوطاً مريعاً تحت أقدام الوطنية التي عمت العراق في لحظة لم يكن ملالي إيران وأذنابهم يحسبون لها حساب.
لبنان ثار أيضاً على حزب الله، وظهر أمينه العام وهو يهدد تارة وتارة يركب عربة المتظاهرين ويهادن، وشعر كما لم يشعر من قبل أن قواعد اللعبة تغيرت، وأن ليالي عجافاً كالحة السواد تنتظره، وهو لا يعرف كيف يواجهها، ولا كيف يتعامل معها.
والسؤال الذي لا بد من الإجابة عنه: "هل كان الإيرانيون وأذنابهم سيظهرون بهذا المظهر البائس والمهترئ لو لم تكن العقوبات الأمريكية قد فعلت فيهم مفعولها"؟
إلى اللقاء
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة