مطاردة تل أبيب للإيرانيين ومليشياتهم في سوريا لا تتوقف، ولا يبدو أنها ستتوقف على المدى القصير.
فكلما حاول النظام الإيراني هناك تحريك عسكري أو مرتزق أو قطعة سلاح، تقتحم المقاتلات أو الصواريخ الإسرائيلية الأجواء السورية على مرأى ومسمع العالم لتصطاد الطريدة الإيرانية، ثم تغادر دون خسائر.
بعد عشر سنوات من الحرب لا أظن أن سوريا تمتلك القدرة والإمكانات التقنية لردع الطيران الإسرائيلي. وحتى منظومة الدفاع الجوي الروسية "أس300" التي تمتلكها دمشق، لا تقبل موسكو بتفعيلها حماية لحليفتها تل أبيب، ناهيك عن تلك الرعاية الاستخباراتية والسياسية الأمريكية التي تحظى بها هجمات تل أبيب.
وبغض النظر عن الإمكانيات، يبدو التساؤل مشروعا حول حاجة دمشق أو مصلحتها بتعبير أدق، في الدفاع عن إيران على أراضيها. وخاصة إن كانت مهتمة بإبرام اتفاق سلام مع تل أبيب برعاية روسية، كما تقول تسريبات مختلفة.
إن صدقت الأنباء حول مفاوضات السلام المباشرة التي تجريها دمشق مع تل أبيب في قاعدة حميميم الروسية بمدينة اللاذقية السورية، أو الجولات غير المباشرة من خلال الوسيط ذاته، فإن اتفاق السلام موضع البحث بين سوريا وإسرائيل يبدو مغرياً للطرفين على حد السواء، ولكنه مكلف أيضاً، وخاصة بالنسبة لدمشق فمطالبة إيران بالخروج من الأراضي السورية والعودة إلى حدودها وجغرافيتها لن يتعامل معها النظام الإيراني بروح رياضية أبداً. ومن يصدق بغير ذلك إما واهم، أو مدعي.
حتى وإن لم تكن مفاوضات السلام الإسرائيلية السورية قائمة، ألم يحن الوقت لتتخلى دمشق عن طهران، أو تنقلب عليها بتعبير أدق؟ أليس من الأفضل لها أن تتمرد على مشيئة الولي الفقيه، وتنضم إلى الصف العربي في مواجهة جميع التهديدات الخارجية للمنطقة، وعلى رأسها النظام الإيراني والعثمانيون الجدد؟
تحالف طهران ودمشق مرت عليه عقود الآن، ولكن واقع حال المنطقة والعالم قد تغير الآن، وبات من الأفضل إعادة النظر في جدوى بقاء دمشق ضمن ما يسمى بـ"محور المقاومة"، خاصة وأن خيار الحرب لاستعادة الجولان المحتل، لم يكن واردا بالنسبة للدولة السورية سابقا، ولم يعد ممكنا في الظروف الراهنة.
وإيران التي دخلت بكل قوتها في الأزمة السورية عام 2011، قد تحولت إلى محتل حقيقي لسوريا. ولن يخرج النظام الإيراني من سوريا إلا بدعم خارجي عربي ودولي لدمشق، وهذا الدعم متاح اليوم أكثر من أي وقت مضى، لأن طهران باتت تشكل عبئاً كبيرا على دول المنطقة وحلفائها حول العالم. ثمة رغبة دولية بتحجيم الإيرانيين بدأت في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ولن يتخلى عنها خلفه جو بايدن لأن الأسباب لم تتغير. قد يختلف بايدن عن ترامب قليلا في الأسلوب، ولكن الهدف هو ذاته والنهاية واحدة.
يجب أن تتخلى إيران عن دور القوة المهيمنة على الشرق الأوسط، كي يتخلى الجميع عن مطاردتها في سوريا أو أي مكان أخر. هذه المقايضة مطروحة لأنها مطلب كل الدول المعنية بهذه المنطقة. لقد انتهى زمن التحالفات الغامضة مع طهران، كما انقضى زمن الاعتماد عليها كبعبع ينشط الأزمات في هذه الجغرافية لصالح دولة أو تكتل حول العالم.
يخطئ الإيرانيون كثيرا إن اعتقدوا أن إسرائيل هي مشكلتهم الوحيدة في سوريا، وأنها هي فقط من يريد إخراجهم من هناك. فالإسرائيليون يطاردون فرق الحرس الثوري ومليشياته فوق الأراضي السورية نيابة عن كثيرين. وهم لا يطاردونهم لأنهم خائفون من قوتهم كما يروج النظام الإيراني وأبواقه، وإنما لأن المعادلات في المنطقة تغيرت، وتوازن القوى المؤثرة فيها لم يعد محمولا ومستنداً على البعبع الإيراني.
ولا تتوقف المطاردة الإسرائيلية لإيران في سوريا على الهجمات التي تدك فيها معاقل مليشيات النظام الإيراني هناك، وإنما هي تشمل أيضا التحالفات التي تنسجها تل أبيب مع خصوم طهران في المنطقة والعالم. لهذه التحالفات دور كبير في رسم مستقبل الشرق الأوسط وخارطة النفوذ فيه، وكلمة السر في كل ما يدور داخل الأروقة المظلمة أو المضيئة هي السلام بوصفه سلاحا استراتيجيا للوصول إلى ما يمكن تسميته بالمعادلة الصفرية لمحصلة القوى المتصارعة في المنطقة.
لقد أصبحت سوريا ملعبا لصراع دولي وإقليمي واسع لا يحتمل فائزا واحداً، ولا أحد يفضل استمراره إلى الأبد، وأي تحجيم للدور الإيراني هناك يصب بالضرورة في صالح دول المنطقة والقوى المعنية بها. تحت هذا الشرط وحده ستتواصل مطاردة قادة النظام الإيراني ومليشياته، وفي سياق هذه المطاردة يجب أن تقرأ دمشق أبعاد الواقع السياسي المحيط بها، فتنتقي من الخيارات ما قد يكون مكلفا وشاقا كثيراً اليوم، ولكنه نافع ومثمر للسوريين على المديين المتوسط والطويل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة