كل من ظريف ونصر الله يسعيان إلى تسويق فكرة أن هناك متغيرا رئيسيا عند الأمريكان ودول المنطقة في تجنب المواجهة العسكرية
لا بد على المراقب الساعي إلى الفهم الموضوعي لمستقبل الصراع في المنطقة، أن يشاهد بتعمق شديد مقابلتين للوزير جواد ظريف وحسن نصر الله.
المقابلتان أذيعتا في ليلة واحدة: الأولى أجراها جواد ظريف في طهران مع الأستاذ غسان بن جدو في قناة «الميادين»، والثانية أجراها نصر الله مع قناة «المنار».
المقابلتان تحتويان على رسالة واحدة يتم إطلاقها «ببراعة وكفاءة» لتسويق انطباعات محددة عبر فضاءات طهران وبيروت.
الرسالتان تحتويان على أهداف يكمل كل واحد منها الآخر.
شعور إيران بالقوة وحديث «نصر الله» عن أن أي طرف يتعاون مع الأمريكان ضد إيران لن يكون في مأمن، هو جزء من عملية «تجهيز المنطقة والعالم لتسوية بشروط مشرفة للجانب الإيراني»
مجمل الرسالة الإقليمية والدولية «تفاوضوا معنا لرفع العقوبات لأن ثمن الحرب سيكون مدمراً».
تعالوا نحلل ماذا جاء في كلام «ظريف ونصر الله»:
1- رسالة «ظريف» الإقليمية بأن إيران ترغب ألا يذهب جيراننا إلى أي مجموعة تعادي إيران.
في ذات الليلة قال «نصر الله»: «إنه من مصلحة السعودية والإمارات عدم الدخول في حرب، وإننا على استعداد للحوار والتفاوض مع السعوديين لكنهم حسموا موقفهم».
ومعنى كلام «نصر الله» هو معرفة حزب الله وصول الرياض منذ 3 أعوام لعدم جدوى وجود قنوات اتصال مع الحزب، على أساس أن الارتباط العضوي والمذهبي بشكل جوهري مع طهران يجعل أي حوار غير ذي جدوى.
2- جواد ظريف أبدى إعجابه ودعمه لجولتي الحوار مع المبعوث الفرنسي، ورأى أن في ذلك نوعاً من الاهتمام الإيجابي الأوروبي عبر فرنسا برعاية الرئيس «ماكرون».
وأبدى «ظريف» شكوكه في قدرة «ماكرون» على إقناع «ترامب» بقبول منطق الحوار مع طهران دون ضغوط.
3- كل من ظريف ونصر الله يسعى إلى تسويق فكرة أن هناك متغيراً رئيسياً عند الأمريكان ودول المنطقة في تجنب المواجهة العسكرية عقب ضرب مطار أبها وخط أرامكو وساحل عدن وإسقاط الطائرة.
4- «وكأن إيران وحلفاءها قد انتصروا بالفعل»، ويريدون الآن الحصول على شروط المنتصر.
الخلل في هذا التصور هو الآتي:
1- الآثار السلبية على الاقتصاد والمجتمع الإيراني من الداخل نتيجة العقوبات.
2- معاناة كل حلفاء إيران في المنطقة مالياً وعدم قدرتهم على تلبية احتياجات جمهورهم السياسي وتدبير أساسيات التزاماتهم الاجتماعية ووسائلهم الإعلامية.
3- وضع منظمات وأشخاص إيرانيين وحلفاء لهم في المنطقة في قائمة الإرهاب الدولي.
4- نتائج الخروج والتخفيض للوجود الإيراني في سوريا تحت ضغط صريح وواضح من روسيا.
5- إعلان واشنطن وحلفائها في أوروبا وآسيا وكندا تشكيل قوة حماية بحرية وبحث تفاصيلها اللوجيستية خلال أسبوعين لضمان سلامة وحرية الملاحة في خليج عدن ومضيق هرمز.
وجاء تصريح رئيس الأركان الأمريكي جوزيف دانفورد: «إن الولايات المتحدة تبحث مع دول صديقة تكون لديها إرادة سياسية لتشكيل قوة حماية بحرية».
شعور إيران بالقوة وحديث «نصر الله» عن أن أي طرف يتعاون مع الأمريكان ضد إيران لن يكون في مأمن، هو جزء من عملية «تجهيز المنطقة والعالم لتسوية بشروط مشرفة للجانب الإيراني».
كلام سماحة السيد عن وصول الصواريخ الإيرانية لكل المدن الإسرائيلية، وأن إسرائيل ستكون الهدف الأول في أي ضربة وأن الخط الساحلي الإسرائيلي من نتانيا إلى أشدود بطول من 60 إلى 70 كم وبعمق 20 كم معرض تماماً للقصف من صواريخ حزب الله لتسويق التخويف من الحرب حتى يصبح التفاوض هو الاحتمال الوحيد الممكن.
أخطر ما جاء في كلام جواد ظريف «دعوته لدول الخليج إلى الاعتماد والرهان على إيران لكونها الجهة القوية الموثوق بها»، مؤكداً أن «الأمريكان لا أمان لهم» وأن هناك اختلافاً جذرياً بين موقفي أبوظبي والرياض بالنسبة للصراع في المنطقة.
هنا الأمر يستحق الرد من منظور أن كلام «ظريف» كسياسي ووزير خارجية هو كلام رجل مأزوم معزول سياسياً بعد خروج «ترامب» من الاتفاق النووي، وأن إدارة هذا الملف لدى ثلاثة هم: المرشد الأعلى، والأدميرال شامخاني، والجنرال قاسم سليمان.
ومحاولة «ظريف» إحياء فكرة قديمة لدى إيران وهي «أن الخليج الفارسي توجد فيه قوة إقليمية عظمى وحيدة هي إيران، لذلك يتعين على كل الدول المطلة على هذا الخليج أن تتبع طهران كي تحصل على الحماية منها».
وكأن السعودية والإمارات قاصرتان بلا جيوش وبلا حلفاء إقليميين وبلا معاهدات دفاع دولية.
وأستطيع أن أؤكد بالمعلومات وليس بالتحليل أنه لا يوجد أي تغيير في تماسك التحالف الإماراتي السعودي، وأن مصدراً مطلعاً وقريباً أكد لي: «من الجنون أن نترك أشقاءنا من أجل أن نسلم رقابنا إلى الحماية الإيرانية».
سخر المصدر الخليجي رفيع المستوى وقال: «كلام ظريف شيء لا يصدقه عقل»!
نقلاً عن "الوطن" المصرية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة