حماس قد تستعين بطهران لفتح صفحة جديدة مع الحكومة السورية ولكن هذا لن يكون بالأمر السهل.
منذ احتلال فلسطين والقضية الفلسطينية هي القضية الأولى عند العرب والمسلمين عموماً، والبوصلة التي يهتدي بها كل عربي ومسلم إلى دروب الحرية والعزة، كما أنها كانت وما زالت هي الكاشفة والماحصة التي ينماز بها الخبيث من الطيب، وما أكثر المتسلقين الذين يتخذون من القضية الفلسطينية مركباً لتسويق أنفسهم والشواهد كثيرة.
في الواقع لم تدخر حركة "حماس" جهداً لتصوير نفسها على أنها حصن القضية الفلسطينية متخذةً من العروبة والإسلام والقضية الفلسطينية سبيلا لكسب التعاطف الشعبي العربي والدعم السياسي الرسمي، وكان لها ذلك إلى ما قبل 2011، وهو التاريخ الذي بدأت الحركة تظهر فيه باطنها الذي يميل فعلا لا قولا لمشروع الإخوان العابر حدود الأوطان.
كل هذا التلون واللعب على الحبال وتغليب المصالح الحزبية من قبل "حماس" كشف عن أوراقها وجعلها معزولة، فلا هي طالت بلح الشام ولا عنب اليمن، وعليه نستطيع القول إنه لا جديد منتظر بين دمشق وحماس يمكن أن يعيد المياه إلى مجاريها كما في السابق، وإن كانت "الحركة" تسعى إلى ذلك
لم تخف حماس خلفيتها الأيديولوجية منذ نشأتها قبل نحو ثلاثة عقود، وعلى الرغم من أن البلاد العربية عموما تصنف التيار الإخواني تياراً عدائياً لا يمكن التعامل معه بعد أن عانت من أفكاره الهدامة؛ فإن العرب بمعظمهم على المستويات الرسمية والشعبية تجاهلوا قضية الصفة الإخوانية لحركة حماس لصالح القضية الفلسطينية، فتحرير الأقصى وفلسطين أكرم وأرفع من أي خلاف ويستحق كل الأثمان مهما كانت باهظة، فتوجهت الحكومات العربية والشعوب العربية والإسلامية لتأييد حركة "حماس" ونضالها ومقاومتها انطلاقاً من مبدأ فلسطين أولاً، فتلقت "حماس" الدعم من عدد من الدول العربية، ولكنها لم تستطع مقاومة الإغراءات لتحقيق مشروعها الأكبر مستفيدة من اندلاع موجات ما سمي بـ"الربيع العربي"، حينها سارعت بمجرد اندلاع الأحداث في مصر إلى تكريس دعمها الخطابي والإعلامي ومداعبة المشاعر العربية بالقضية الفلسطينية لدعم الإخوان في مصر، ومن ثم عندما وصلت موجة "الربيع العربي" إلى سوريا بادرت حماس إلى ترك وإغلاق مكاتبها لصالح دعم التيار الإخواني، وها هي اليوم تغير خطابها تجاه دمشق بعد أن رأت أن الكفة تميل لصالحها.
لا شك أن مدمن طَرْق الأبواب لا بد وأن يلج، ولكن يبدو الأمر مختلفا هذه المرة فيما يخص العلاقة بين حماس ودمشق، فاللين الذي يأتي عليه قادة الحركة تجاه دمشق والرئيس السوري بشار الأسد (راجع ما قاله القيادي الحمساوي محمود الزهار مؤخرا في هذا الشأن) لن يسهل على التنظيم ولوج دمشق التي أغلقت أبوابها السبعة بوجه "الحركة" مذ رفع رئيس مكتبها السياسي السابق خالد مشعل "علم الثورة" بعد مغادرته سوريا.
قد تستعين حماس بطهران لفتح صفحة جديدة مع الحكومة السورية ولكن هذا لن يكون بالأمر السهل لناحيتين:
الأولى تتمثل بقناعة صانعي القرار السوري بأن الحركات المؤدلجة ستشكل خطرا على وحدة النسيج السوري باللعب على المتناقضات؛ لذلك لم يمنح الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد حماس وحزب الله أكبر من حجميهما بحيث كانا ورقتي ضغط على إسرائيل، وهذا ما لم يكن في الزمن الراهن فبات ثقل حزب الله والمليشيات الطائفية وحماس سابقا وليس الأن أكبر بكثير على دمشق من أي طرف آخر، ومن هنا يسعى بعض المسؤولين السوريين للتخلص من حركات لم ترجع على بلادهم سوى بمزيد من العداوات خاصة المحيط العربي، ولعل التغييرات الأخيرة على مستوى الأجهزة الأمنية يصب في هذا الاتجاه.
الثانية انشغال إيران بما هو أكبر من الدخول بوساطات لصالح حماس أو غيرها، كيف لا والإيرانيون يصرخون كل يوم بوجه مسؤوليهم أن أنفقوا أموال دعم حماس وغيرها على الشعب الذي بلغ من الفقر حدا كبيرا.
كل هذا التلون واللعب على الحبال وتغليب المصالح الحزبية من قبل "حماس" كشف عن أوراقها وجعلها معزولة، فلا هي طالت بلح الشام ولا عنب اليمن، وعليه نستطيع القول إنه لا جديد منتظر بين دمشق وحماس يمكن أن يعيد المياه إلى مجاريها كما في السابق، وإن كانت "الحركة" تسعى إلى ذلك بكل طاقتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة