التناقضات الإيرانية الواضحة للعالم والفاضحة للملالي تجاوزت الأسلحة التي باتت في يد الحوثيين إلى بقاع وأصقاع أخرى حول العالم.
"إن الحفاظ على الوحدة اليمنية بين جميع العقائد الدينية والقوميات بحاجة إلى حوار يمني–يمني، علما بأن اليمن فيه قومية وعقيدة واحدة".. هكذا تحدث المرشد الإيراني علي خامنئي قبل أيام قليلة من لقائه الوفد الحوثي الذي التقاه في طهران، حديث تفوح منه رائحة التناقضات وتغلفه رداءات الازدواجية القاتلة التي عرف بها الملالي في الماضي والحاضر، والتي ما برحوا يعزفون عليها ألحانا تتنافى مع أي حوار يتحدث به الرجل الذي يشعل أوار النيران في الداخل اليمني صباح مساء كل يوم، وهل لفاقد الشيء أن يعطيه؟
لا تقيم إيران وزنا لأي تعهدات أو اتفاقيات أممية، وهي حين تمد أطرافا متصارعة بمثل تلك النوعيات من الأسلحة فإنها تنتهك القرار الصادر عن الأمم المتحدة لإقرار الاتفاق النووي الإيراني الموقع مع قوى عالمية يحظر عليها إمداد وبيع ونقل الأسلحة خارج البلاد إلا بموافقة مجلس الأمن
لم يعد نظام الملالي يداري أو يواري دوره الداعم للإرهاب في اليمن، وزخمه للانقسامات، وتعزيزه للتفرقة بين أبناء الوطن الواحد بعد لقائه جماعة الحوثي، التي خرجت عن الشرعية، وجعلت من نفسها خنجرا في الخاصرة اليمنية من جهة، وضد الأشقاء في الجوار من ناحية أخرى.
لقاء خامنئي بالوفد الحوثي الذي ترأسه محمد عبدالسلام كبير مفاوضي المليشيا الانقلابية، هو الأول من نوعه على الصعيد العلني، ومن قبله هناك العديد من اللقاءات السرية التي جرت ولا تزال تتم بين الحرس الثوري الإيراني الموسوم بالإرهاب والقيادات الحوثية، وعبر أذرع الحرس عينه تصل إلى اليمن ملايين الدولارات شهريا، وعبر البحر الأحمر يتم تهريب الأسلحة التي تطلق على دول الجوار الآمنة، عطفا على الطائرات المسيرة من دون طيار، والتي تقذف المطارات وتقتل الأطفال كما جرى في أبها في المملكة العربية السعودية قبل أسابيع.
يغزل الحوثيون غزلا غير نافع بالمرة على أوتار الغطرسة الإيرانية التقليدية سياسيا وهذا ديدنهم، غير أنهم هذه المرة بالغوا في الأمر حتى وصل المشهد إلى أن يتفوه كبيرهم في لقائه مع خاتمي بالقول إن الحوثيين يعتبرون "ولاية خامنئي هي امتداد لولاية رسول الله وعلي بن أبي طالب"، على حد تعبيره.
عند تجار الأديان كل شيء مباح ومتاح، يضحى التلاعب بالعقائد والمذاهب شأنا اعتياديا، وذلك من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية السياسية المختبئة في أثواب وأهداب الأديان، وهدف إيران الثابت منذ زمان وزمانين كان ولا يزال السيطرة على مقدرات منطقة الخليج العربي من بابها إلى محرابها كما يقال، وبأي وسائل متاحة في الحال أو الاستقبال.
المرشد المتناقض في تصريحاته والذي استهل لقاءه مع وفد الحوثي بالدعوة إلى الحوار والوحدة هو عينه الذي مجد الحوثيين كجماعة مقاتلة في الداخل اليمني ووعدهم بالنصر. النصر على مَن؟ وبأي أدوات؟ وهل يحمل هذا التصريح تحديدا إشارة ضمنية للاستجابة للطلبات التي قدمت إليه من الحوثي في رسالة زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، تلك التي لم يفصح أحد عما جاء فيها؟
علمتنا الفلسفة أن هناك نوعين من المصادفات: قدرية وموضوعية، ومن هذا المنطلق نتساءل هل من قبيل المصادفة الموضوعية أم القدرية أن يخرج إلى العلن تقرير من الأمم المتحدة عما تقوم به إيران في اليمن، في توقيت مواكب لزيارة الوفد الحوثي إلى اليمن؟
التقرير الذي نشير إليه يؤكد أن لجنة خبراء تابعة للمنظمة الأممية تعتقد جازمة أن إيران قد أرسلت إلى الحوثيين صواريخ باليستية قصيرة المدى، وكذلك أسلحة أخرى، لا سيما بعد قرار فرض الحظر على توريد أسلحة لليمن منذ عام 2015.
المقاربات التقنية التي أجراها الفريق بين بقايا الصواريخ التي أطلقت بنوع خاص على المملكة العربية السعودية، عطفا على ما خلفته الطائرات المسيرة وحطامها بعد انفجارها، تؤكد أنها من نفس النوعيات التي تصنع في داخل الجمهورية الإيرانية، وأن تصديرها إلى اليمن تم بمباركة من القيادة الإيرانية على أعلى مستوياتها أي من عند المرشد خامنئي بداية صاحب دعوة الحوار والجوار، وصولا إلى قائد الحرس الثوري، الذي لا ينفك يهدد دول المنطقة بأذرع إيران الطويلة.
التقرير الأممي الذي يفضح زيف خامنئي ومن لف لفه يغطي الفترة من يناير إلى يوليو 2014، وذكر ما نصه: "يبدو أنه رغم الحظر المفروض على الأسلحة، لا يزال الحوثيون يحصلون على صواريخ باليستية وطائرات بلا طيار من أجل مواصلة وعلى الأرجح تكثيف حملتهم ضد أهداف في السعودية، وبحسب لجنة الخبراء، فإن من المحتمل جدا أن تكون الصواريخ صنعت خارج اليمن، وشحنت أجزاؤها إلى الداخل اليمني، حيث أعاد الحوثيون تجميعها".
التناقضات الإيرانية الواضحة للعالم والفاضحة للملالي تجاوزت الأسلحة التي باتت في يد الحوثيين إلى بقاع وأصقاع أخرى حول العالم، مثل أفغانستان تحديدا، وهذا ما ثبت للولايات المتحدة الأمريكية بالدليل القاطع بعد أن عرضت على العالم في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أجزاء من أسلحة وجدت في اليمن وأفغانستان على حد سواء.
لا يمكن للتناقض أن يستقيم إلا في الحالة الإيرانية التي أدمنت هذا النسق الفكري، حتى في داخلها، ما جعل الكثيرين من قبل ينخدعون ويذهب بعضهم إلى أن هناك حمائم وصقورا في الداخل، فهي على لسان المرشد تعلن عن رؤية كاذبة للحوار وعلى أرض الواقع تنتهج أسلوبا للتدخل في الشؤون الداخلية لزعزعة استقرار دول الإقليم وما وراءه.
لا تقيم إيران وزنا لأي تعهدات أو اتفاقيات أممية، وهي حين تمد أطرافا متصارعة بمثل تلك النوعيات من الأسلحة فإنها تنتهك القرار الصادر عن الأمم المتحدة لإقرار الاتفاق النووي الإيراني الموقع مع قوى عالمية يحظر عليها إمداد وبيع ونقل الأسلحة خارج البلاد إلا بموافقة مجلس الأمن، كما يحظر قرار منفصل صادر عن الأمم المتحدة بشأن اليمن إمداد الحوثيين بالأسلحة.
أفضل تعبير يوضح حقيقة الحوثيين ويكشف عن طبيعتهم الغادرة والماكرة هو ذاك الذي استخدمه الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، حين اعتبرهم في تغريدته "وكلاء إيران"، وليسمح لنا بأن نشير إلى أنه تعبير مهذب للغاية، ربما تقتضيه قواعد الدبلوماسية، في حين تبقى الحقيقة أنهم "عملاء إيران" أمس واليوم وغدا.
الخلاصة.. العمالة لا تفيد، والعملاء مثل الملح الذي فسد، لا يصلح لشيء إلا أن يلقى خارجا وتدوسه الناس غدا أو بعد غد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة