الرسالة السياسية والاستراتيجية من الحضور الإيراني المنظم والمخطط له جيداً في المحيط الهندي تبدو واضحة قبل الرسالة العسكرية والأمنية.
في توقيت له دلالاته، عُقد مؤتمر قادة القوى البحرية لدول المحيط الهندي في إيران، بمشاركة وفود عسكرية من 35 دولة، وحضور سوريا بصفة دولة متابعة، وقد سبق وأن عُقدت 5 مؤتمرات سابقة في سياق ما يُعرف بالتحديات والمخاطر التي تواجه دول المحيط الهندي في محيطها الإقليمي والدولي، وكيفية التعامل معها في المديين القصير/ الطويل الأجل، ويضم المؤتمر الدوري - في دورة انعقاده - 23 دولة "عضو دائم"، و9 دول أعضاء بصفة مراقب، وتعد البحرية الإيرانية من الأعضاء الدائمين فيه.
الغريب أن هذا المؤتمر حظي باهتمام أمريكي لافت، كما حرصت عدة دول كبرى على المشاركة في فعالياته بصفة مراقب، وقد طلبت الولايات المتحدة في عام 2014 المشاركة المباشرة في المؤتمر، ورفضت إيران الطلب الأمريكي، وهو ما تكرر في هذا المؤتمر
في هذا الإطار يُثار تساؤل استراتيجي حول ما تخطط له إيران في هذا التوقيت تجاه المحيط الهندي من منطلق أنها ترى في حضورها السياسي والاستراتيجي القوة الرئيسية في المحيط الهندي، وهو ما يعطي لتخطيطها طويل الأجل، ومسعاها لتجميع دول المحيط بأكمله بل وخارجه، الحق بمقتضى ما يجري من تطورات متنامية ومتصاعدة في الإقليم الاستراتيجي، وما يجاوره في رسم السياسات والاستراتيجيات من منظورها الأمني والاستراتيجي الحالي، خصوصاً أن لإيران مصالح تجارية واقتصادية ممتدة ومتشابكة في هذه المنطقة الاستراتيجية، كونها بلداً بحرياً مركزياً، تتحرك من خلاله لأداء أدوار واستراتيجيات متكاملة، وفي إطار مواجهة التهديدات والمخاطر في المنطقة بأكملها، وما يجعلها تعزز وتدعم قواتها البحرية بصورة مستمرة ودائمة بل والتخطيط - كما هو واضح من فعاليات انعقاد المؤتمر وأعماله، الذي ضم قادة البحرية في المنطقة - بالاتفاق على إجراء مناورة مشتركة بين الدول المشاركة في المؤتمر، مع تأكيد أن هذه المناورات ليست عسكرية أو هجومية، بل من أجل مزيد من التنسيق لمواجهة ظاهرة القرصنة بأبعادها كافة.
واستقراءً للهدف المعلن للمؤتمر وفعالياته - كما ذكر قائد القوة البحرية للجيش الإيراني الأدميرال حسين خانزادي - مناقشة الأمن البحري، والفجوات القانونية التي تعوق فعلياً تحقيق الأمن البحري والقوانين الدولية البحرية، ومشاركة المعلومات بين القوى البحرية والكوارث الطبيعية، كذلك مناقشة مشكلات القرصنة في المحيط الهندي، فإن من الواضح جلياً ومن متابعة أهداف المؤتمر ومداخلاته، الذي يُعقد كل عامين، هو الوصول إلى اتحاد يجمع كل دول المحيط الهندي دون الحاجة إلى تدخل خارجي لحماية أمن المحيط الهندي، انطلاقاً من أن كل بلد مطل على البحر يريد استثمار ثرواته فإنه يواجه إشكاليات وتهديدات، من بينها الممارسات الدولية للقوى الدولية، والمتمثلة في الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتين تسعيان للدخول والبقاء في منطقة المحيط الهندي ذات الموقع الاستراتيجي المهم من خلال نشر الأساطيل الكبرى، والعمل على التواجد المقيم، ومن ثم فإن الهدف الإيراني - كما هو واضح من الخطاب السياسي والإعلامي في المؤتمر - السعي إلى الحد من القرصنة البحرية، وحماية السفن من السرقة، ومواجهة التحركات الإقليمية والدولية المباشرة، التي تقوم بها الدول الكبرى، والتي تتحرك وفقاً لاستراتيجية مخطط لها جيداً، وعبر وسائل ممتدة تضع أولوياتها الأمنية ومصالحها الحيوية فوق أي اعتبار.
الغريب أن هذا المؤتمر حظي باهتمام أمريكي لافت، كما حرصت عدة دول كبرى على المشاركة في فعالياته بصفة مراقب، وقد طلبت الولايات المتحدة في عام 2014 المشاركة المباشرة في المؤتمر، ورفضت إيران الطلب الأمريكي، وهو ما تكرر في هذا المؤتمر، والمعروف دولياً أن الولايات المتحدة قامت بنشر أسطولها البحري الخامس، وهو الأكبر في بحريتها في المحيط الهندي، الذي يكتسب أهمية كبرى على المستويين الاستراتيجي والسياسي، ويضم حصة الثلث من التجارة العالمية، فيما تضم منطقة غرب آسيا نحو 70 % من احتياطي الطاقة العالمي، وتقع إيران في مركزه، حيث يتم تصدير 17 مليون برميل يومياً عبر مضيق هرمز.
وتأكيداً على المخطط الإيراني بتكثيف حضورها في الإقليم الهندي بأكمله نشير إلى قيام إيران ببناء ميناء شبهار الجديد جنوب شرقي إيران على ساحل المحيط الهندي، بهدف أن يصبح هذا الميناء مركزاً تجارياً إقليمياً، وهو ما سيتيح ربط السواحل الأفريقية والآسيوية بآسيا الوسطى عبر طريق البر والسكك الحديدية بين الشمال والجنوب، الذي تقوم إيران بتطويره في محاذاة حدودها الشرقية مع باكستان وأفغانستان، وقد بلغت تكلفة بناء هذا الميناء، الذي يسمح برسو الحاويات العملاقة بوزن فارغ بين 100 ألف و120 ألف طن، مليار دولار، وقد مولت منها الهند 235 مليوناً في سعيها للوصول إلى أسواق إيران وأفغانستان وبلدان آسيا الوسطى متجاوزة باكستان، كما سعت إيران لتنفيذ مشروع كبير لتطوير الطرق والسكك الحديدية على امتداد محور مشهد (شمال شرق) زهدان (جنوب شرق) شبهار، بهدف تسهيل التجارة مع أفغانستان وآسيا الوسطى، لكنه لا يزال غير مكتمل، ووقعت إيران والهند وأفغانستان اتفاقاً يقضي بتحويل شبهار إلى محور تجاري بين البلدان الثلاثة، كما سبق وأن أطلقت إيران أحدث صاروخ كروز بحري إيراني من طراز "نصير"، في مناورات الولاية 95 التي أجرتها بحرية الجيش الإيراني في مضيق هرمز وبحر عمان وشمال المحيط الهندي، وشيدت إيران طريق مشهد - زاهدان، وهو جزء من خط السكك الحديدية الذي سيربط دول آسيا الوسطى مع شاطئ المحيط الهندي، وهذا طريق سيكون جزءاً من خط السكك الحديدية الواصل بين آسيا الوسطى، وميناء جابهار الإيراني على شاطئ المحيط الهندي، وهو الميناء الوحيد والأكبر في إيران المطل على المحيط الهندي، وسيمر الطريق عبر 40 مدينة في محافظات سيستان وبلوشستان وخرسان الجنوبية وخرسان، وسيصل ميناء جابهار بالسلسلة الموحدة لخطوط السكك الحديدية الموجودة وصولاً إلى دول أوروبا.
الرسالة السياسية والاستراتيجية من الحضور الإيراني المنظم والمخطط له جيداً في المحيط الهندي تبدو واضحة قبل الرسالة العسكرية والأمنية في المحيط الهندي، ومن ثم فإن التحرك الإيراني يجب أن يُوضع في سياق الرؤية الاستراتيجية الإيرانية لأمن المحيط الهندي، وما سيتم التعامل معه في المدى المنظور، وهو ما يجب التحسب له عربياً وإقليمياً من منطلق أن الترابط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر قائم من عدة زوايا، حيث يعد المحيط الهندي ثالث محيطات العالم من حيث المساحة بعد المحيطين الهادي والأطلسي، ويطلّ المحيط الهندي على البحر الأحمر، والخليج العربي الغني بالنفط وبحر العرب وبحر أندمان وخليج البنغال، وهو يؤكد وجود ترابط بين الموقعين من منظور استراتيجي وسياسي معاً، ووفقاً لمصالح استراتيجية وتجارية هي في الأساس مصلحية، وهو ما يدفع دولة مثل إيران بمشروعها التوسعي إلى التحرك والانطلاق لتحقيق أهدافها الأيديولوجية جنباً إلى جنب مع مصالحها الاستثمارية والتجارية وذراعها أنها تملك تنظيمين يعملان في مجال البحر، هما القوات البحرية لفيلق الحرس الثوري والقوات البحرية الإيرانية، حيث يتشكل الأسطول الإيراني للقوات البحرية لفيلق الحرس الثوري الإسلامي من مئات القوارب وعشرات زوارق الطوربيد الحربية والطائرات سريعة الهجوم المسلحة، ويتألف الأسطول البحري للقوات البحرية الإيرانية من ست فرقاطات، واثني عشر زورق دورية مزودة بصواريخ، وعدد من الغواصات الصغيرة، وثلاث غواصات ديزل كبيرة، أي أننا أمام قدرات وإمكانيات إيرانية متعارف عليها، وفي إطار أن لدى إيران مصالح استراتيجية ممتدة وشاملة في البحر ليست فقط في منطقة الخليج العربي وخليج عدن والمحيط الهندي والبحر الأحمر، ولكن أيضاً عبر أعالي البحار وفي جميع أنحاء العالم. كما تقدر إيران وتضع خططها واستراتيجياتها وحساباتها العسكرية دفاعاً وهجوماً في مناطق تحركاتها الاستراتيجية التي تؤكد وجود وتنامي المخطط الإيراني الممتد في أقاليم متعددة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة