تحظى انتخابات الرئاسة الإيرانية بقدر كبير من الجدل حول إجراءاتها التنظيمية ونتائجها المحتملة.
وكذا تأثيراتها في المشهدين الداخلي والخارجي في إيران وبعض الملفات محل الاهتمام الإقليمي والدولي، مثل أزمة البرنامج النووي الإيراني، وسياسات طهران الإقليمية، وعلاقاتها بالقوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، التي تدخل حالياً في مفاوضات مع طهران بشأن شروط عودتها للاتفاق النووي.
ولعل قراءة سريعة للمشهد السياسي الإيراني يمكن أن تكشف عن ترجيح التيار المحافظ في انتخابات العام الحالي، وذلك بالنظر إلى اعتبارات عدة، أولها هيمنة المحافظين على قائمة المرشحين النهائية، التي اعتمدها مجلس صيانة الدستور لخوض الانتخابات.
فمن بين أربعين مرشحًا، قُبلت أوراقهم من بين 600 تقدموا للانتخابات، ضمَّت القائمة النهائية 7 مرشحين فقط، هم: رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، وأمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، والأمين السابق لمجلس الأمن القومي سعيد جليلي، وعلي رضا زاكاني، رئيس لجنة مراجعة الاتفاق النووي بالبرلمان، ونائب رئيس البرلمان الإيراني أمير حسين قاضي زاده هاشمي، وهؤلاء جميعهم من المحسوبين على التيار المحافظ، فيما لم يتم قبول أوراق إلا مرشحَين فقط من التيار الإصلاحي وهم: محافظ البنك المركزي، عبدالناصر همتي، والآخر هو محسن مهر علي زاده.
الاعتبار الثاني، هو ضعف التيار الإصلاحي في المرحلة الحالية بإيران، سواء على مستوى قوة وشعبية المرشحين المنافسين في هذه الانتخابات (عبدالناصر همتي ومحسن زاده)، بعد استبعاد المرشحين الإصلاحيين المؤثرين، أو بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد والتي نجح التيار المتشدد في تحميل الحكومة الحالية، بقيادة الرئيس حسن روحاني، مسؤوليتها بعد عجز هذه الحكومة عن الإيفاء بالتزاماتها وتعهداتها وفشل رهانها على الاتفاق النووي، الذي انسحبت منه إدارة ترامب، وتبنيها سياسة ضغوط قصوى على إيران.
أما الاعتبار الثالث يتعلق بموقف المرشد الإيراني، الداعم لمرشح التيار المحافظ الرئيسي، إبراهيم رئيسي، الذي حصد 38% من أصوات المقترعين في انتخابات 2017، ليحل ثانيا خلف "روحاني"، الذي فاز بولاية ثانية وقتها.
ومع الفوز المتوقع لـ"رئيسي" أو غيره من المرشحين المحافظين، سيتمكن المحافظون من تعزيز سيطرتهم على مؤسسات الدولة، خاصة بعد سيطرتهم في السابق على مؤسستي القضاء والبرلمان، وهو ما سيطرح تساؤلاتٍ بشأن مستقبل السياسات الإيرانية، التي قد تميل إلى التشدد.
ومع ذلك، يمكن القول إن التغيير المحتمل في السياسة الإيرانية سيكون محدودًا في جميع الأحوال، سواء فاز التيار الإصلاحي أو المحافظ، وذلك بالنظر إلى حقيقة محدودية سلطات رئيس الجمهورية ودوره في صنع السياسة الخارجية، مقارنة بدور المرشد الإيراني أو الحرس الثوري، اللذين لهما اليد الطولى في صنع وتنفيذ سياسات إيران الخارجية.
وقد اتضح ذلك خلال رئاسة "روحاني"، الذي لم يتمكن من تغيير مسار السياسة الخارجية الإيرانية نحو الاعتدال، رغم أنه محسوب على التيار الإصلاحي، بل شهدت تصعيدًا للأزمات مع دول المنطقة والعالم.
ويعني هذا أن انتخابات الرئاسة المقبلة قد تفرز تغييرًا في ماهية التيار، الذي سيمسك بالسلطة، لكنها لن تغير كثيرًا من توجهات السياسة الخارجية الإيرانية، التي تخضع بالفعل لسلطة المرشد الإيراني والحرس الثوري. ربما التغيير الوحيد، الذي قد نشهده، حال تأكد فوز المحافظين، هو إزالة الوجه أو القناع المعتدل لسياسة إيران الخارجية لتظهر على صورتها المتشددة الحقيقية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة