ملالي إيران لا يواجهون بأنفسهم وإنما يقاتلون من خلال المليشيا خارج أرضهم فإذا استطعنا أن نجعل الأرض تهتز تحت أقدامهم سيرضخون
تمر إيران بحصار اقتصادي من قِبَل الولايات المتحدة، يُعتبر بكل المقاييس حصاراً لم يسبق له مثيل في التاريخ كما يقول الأمريكيون، وهذا الحصار لا بد أن يُطيح بنظام الملالي ما لم يُذعن الولي الفقيه، أو (الديكتاتور) كما يسميه الإيرانيون للشروط الأمريكية.
ومن يرصد أوضاع إيران من الداخل يجد أن هناك تحركات احتجاجية متفرقة هنا وهناك، لكنها لم ترتقِ لتصبح ثورة شعبية عارمة لعدم وجود قيادة تنسيقية موحدة، يتفق عليها الإيرانيون بمختلف قومياتهم وطوائفهم، هذه القيادة الموحدة هي ما ينقصهم لتحقيق هدف الإيرانيين لإسقاط نظام ولاية الفقيه وملاليه الذين عبثوا بثروات إيران ومداخيلها لخدمة إيديولوجيتهم الكهنوتية، التي تضع خدمة الإيديولوجيا قبل خدمة الإنسان، كما هو ديدن الأنظمة الكهنوتية التي عرفها التاريخ، وبالذات في عصور أوروبا الوسطى.
السؤال الذي أطرحه ولا أجد له جواباً.. لماذا لا نبادر إلى دعم هذه التحركات، ونسعى إلى إيجاد قيادة لهم، خاصة أن الملالي لا يكلون ولا يملون من التدخل في الشأن العربي نهاراً جهاراً، غير مكترثين بردود أفعالنا؟!
ومثلما سقطت وتلاشت تلك الأنظمة الكهنوتية فإن نظام الولي الفقيه الكهنوتي سيسقط لا محالة، طال الزمان أو قصر، لأنه ضد العصر ومنجزاته، لكن مشكلتنا الحالية مع هذا النظام المتخلف أنه بالنسبة لدول المنطقة، ناهيك عن بقية دول العالم، نظام مؤذٍ، وإيذاؤه لا يقتصر على داخل إيران فحسب، بل يمتد إلى كل دول الجوار، من خلال تدخله في شؤونها، والتغرير بأفراد من طوائفها شيعية الانتماء المذهبي ليكونوا للملالي أدوات ينفذون من خلالها إلى النسيج الوطني ويمزقون اللحمة الداخلية. وهذه هي مشكلتنا الأولى والعويصة في التعامل مع هذا النظام.
فهو نظام يقوم على الأساطير التي لا قيمة لها عند الحديث عن المصالح، فالمصالح لا تعنيهم، ولا يكترثون بها، بقدر ما يعنيهم عودة المهدي المنتظر، التي تقول مروياتهم الشيعية الموروثة إنه مختبئ منذ ثلاثة عشر قرناً، وأنه سيعود ليملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جوراً وظلماً، والولي الفقيه الحالي من أولى أولوياته أن يُمهد الطريق لهذا المهدي ليقوم بالعدل ومحو الظلم بعد عودته، لذلك فإن أي حوار سياسي معهم وهم بهذه القناعات الخرافية سيكون بمثابة حوار الطرشان.
وأنا أعتقد جازماً أن الثورة الشعبية على هذه الترهات الخرافية قادمة إذا توفرت لها القيادة التي من شأنها تنسيق التحركات بين هذه الفئات، وصهرها في بوتقة واحدة، وهنا يأتي دور دول الجوار، فحسب علمي لا يوجد أي فصيل سياسي قوي بمفرده، بإمكانه القيام بهذه المهمة إلا إذا تلقى دعماً ومساندة سياسية ومالية تدفعه نحو العمل الجمعي الممنهج والمنسق من الداخل الإيراني نفسه؛ حيث يجعل هذه الفئات تأتمر بقيادة واحدة، لا سيما أن القمع باليد الفولاذية لا يمكن أن ينجح لمدد طويلة، ومع مجاميع جماهيرية، مهما كانت قوة هذا القمع.
والسؤال الذي أطرحه ولا أجد له جوابا.. لماذا لا نبادر إلى دعم هذه التحركات، ونسعى إلى إيجاد قيادة لهم، خاصة أن الملالي لا يكلون ولا يملون من التدخل في الشأن العربي نهاراً جهاراً، غير مكترثين بردود أفعالنا؟! السبب أنهم على ثقة بأن استراتجية الدفاع وليس الهجوم هي نهجنا تجاههم منذ ما يربو على أربعة عقود مضت، وأنا على يقين لا يخالجه شك أن الإيرانيين هم في حقيقتهم نمر من ورق، إذا شعروا فعلا أننا غيرنا استراتيجية الدفاع إلى استراتيجية الهجوم، خاصة الآن وهم يعانون من الحصار الأمريكي فإنهم قطعاً سيرضخون راغمين إلى الحوار، على ضوء المصالح المشتركة، وليس انطلاقاً من أساطيرهم الإيديولوجية الموروثة.
ملالي إيران لا يواجهون بأنفسهم، وإنما يقاتلون من خلال المليشيا خارج أرضهم، فإذا استطعنا أن نجعل الأرض تهتز تحت أقدامهم، وهم يرزحون تحت هذا الحصار الخانق، سيرضخون إلى التخلي عن أساطيرهم، لأن الإيغال في تفعيل تلك الأساطير الموروثة يعني بالضرورة السقوط.
إلى اللقاء
نقلا عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة