بعد "خسائر البرلمان".. طهران تضبط استراتيجيتها بالعراق
يرى محللون أن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق، مؤشر على تضاؤل النفوذ الإيراني، لكن الحقيقة أكثر تفاوتا.
وذكر تحليل نشره مركز أبحاث "المجلس الأطلسي" في واشنطن، أنه "من أجل التوصل إلى نتيجة يحتاج الشخص دراسة قواعد سلطة الجماعات الشيعية والسنية والعلمانية والعرقية، وتوجهات رجل الدين والسياسي مقتدى الصدر، ودور ونفوذ عائلة الحكيم، ونفوذ وأدوات وحدات الحشد الشعبي المدعومة من إيران".
وأشار التحليل إلى أن الأحزاب التي تنتقد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي خسرت مقاعد بالبرلمان، من بينهم تحالف الفتح الممثل لمليشيات الحشد الشعبي المدعوم إيرانيا وأجنحته السياسية، لافتا إلى أن "الخاسرين الآخرين هم الحزب الذي يقوده رجل الدين الشيعي المعتدل عمار الحكيم، وتحالف النصر بقيادة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وكلاهما لا يعتبر مواليا لإيران".
من جانب آخر، كان حزب الدعوة ونوري المالكي، المعروف عنه قربه من طهران، ثالث أكبر فائز وحصل على مقاعد أكثر من التي حصل عليها في البرلمان السابق.
ووفقا للتحليل، فقد جرى تفسير النتائج النهائية للانتخابات التي أعلنت في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، بأنها تعكس تزايد شعبية كتلة الصدر بينما تراجع دعم تحالف الفتح، لكن إجمالي عدد الأصوات يكشف قصة مختلفة.
وأشار التحليل إلى أنه بينما تفوق أداء التيار الصدري على وحدات الحشد الشعبي في أعداد المقاعد، حصل الجانبان على نفس عدد الأصوات.
وفي الحقيقة، حصل تيار الفتح وحلفاؤه على عدد أصوات أكثر قليلًا من التيار الصدري، لكنهم أمنوا عدد مقاعد أقل، حيث حصل تحالف الفتح على 670 ألف صوت بينما التيار الصدري على 650 ألف صوت.
ويشير هذا إلى أن الجهل بقانون الانتخابات العراقي الجديد والفشل في استخدام آلياته بشكل صحيح، وليس الشعبية أو القرب من طهران، كان وراء عدد المقاعد الأقل التي حصل عليها تحالف الفتح.
ووفق التحليل، فقد فشل تحالف الفتح في إجراء تقييم دقيق للبنية التي أرساها التشريع الجديد وما غيره في أسلوب وآليات الاقتراع.
وهناك أيضًا تساؤلات بشأن النتائج في كردستان العراق، ومن بين الحزبين الكرديين الرئيسين، يعتبر الاتحاد الوطني الكردستاني أقرب لإيران من الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وفاز الاتحاد بـ16 مقعدا لكنه رفض النتائج الأولية، مدعيا أن الانتخابات تم تزويرها من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي حصل على 33 مقعدا.
وتشبه مزاعم الاتحاد بشأن تزوير الانتخابات الادعاءات التي روج لها تحالف الفتح.
ورأى التحليل أن النتائج الأولية خلقت معضلة لإيران، التي لم تصدر تعليقا رسميًا عليها، مشيرًا إلى أن طهران تواجه مفارقة؛ فإذا لم تدعم ادعاءات تحالف الفتح بشأن تزوير الانتخابات، سيزيد ذلك من احتمالية أن تتحرك الحكومة العراقية الجديدة لنزع سلاح فصائل الحشد الشعبي.
على الجانب الآخر، إذا دعمت إيران ادعاءات التزوير، ستصبح عالقة في دوامة الجدل الداخلي بين الفصائل السياسية المختلفة ولاحقا في البرلمان العراقي.
ورأى التحليل أن طهران لن تقبل خسارة نفوذها في العراق، إذ قرر حكام إيران منذ عهد بعيد أن النفوذ الداخلي في الدول الإقليمية يجب أن يكون أولوية أولى مهما كان الثمن.
ووفق التحليل، توقع مراقبون أن تنهي الانتخابات المأزق السياسي في العراق، لكن لا يزال العراق يواجه أزمات متعددة، وتعني هذه الأجواء أن السياسة ما زالت منفتحة على النفوذ الخارجي والتدخل.
وأدركت طهران أن وحدات الحشد الشعبي أصبحت مهمشة الآن في البرلمان والحكومة الجديدة، لكن ليس على المستوى الاجتماعي، بحسب التحليل.
ولذلك، قد تدفع إيران أجندتها في العراق بشكل أقل من خلال وحدات الحشد وأكثر من خلال النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي الحالي، مثل إمدادات الطاقة، والغاز، والمواد الغذائية، ومواد البناء، والسياحة، والتقارب الديني والعرقي بين الشعبين.
وهذا بالطبع لا يعني أن إيران لن تستغل وحدات الحشد الشعبي وتحالف الفتح، لكن ستعمل طهران أيضا مع الجماعات التي تسيطر على الأغلبية البرلمانية، بحسب التحليل.
وأشار التحليل إلى أنه حال قررت وحدات الحشد التركيز بشكل أكبر على العمل السياسي وأقل على الأنشطة العسكرية، ربما تكون أمامها فرصة لتوسيع قاعدتها الانتخابية للعودة إلى السلطة.
لكن بالوقت الراهن، يرى التحليل أن أفضل الخيارات أمام إيران هو العمل مع الجماعات مثل تيار المالكي، والتيار المعتدل مثل الحكيم، وحلفاء مثل الاتحاد الوطني الكردستاني، بالإضافة إلى تيار الفتح في البرلمان.