انتخابات العراق وأجندة الأكراد التفاوضية.. الشراكة أو المناصب
البيت الداخلي الكردي يشهد منذ سنوات انقساما حادا، فتتبنى الأحزاب الكردية سياسات متناقضة يرى المراقبون صعوبة تجاوزها.
لا يشغل أكراد العراق أنفسهم كثيراً بأسئلة مثل من سيرأس حكومة بلادهم المقبلة؟ فالأمر بالنسبة لهم محسوم لصالح الشيعة أصحاب التمثيل البرلماني الأكبر.
بيد أنهم يصوبون أعينهم هذه الأيام إلى وجهتين، إحداهما برامج الفائزين بالانتخابات والأخرى المناصب المعروضة أمامهم في بغداد.
وضع البيت الكردي
ويشهد البيت الكردي منذ أعوام انقساما حادا؛ فتتبنى أحزابه سياسات متناقضة يرى المراقبون صعوبة تجاوزها.
و لعبت إيران والقادة الشيعة العراقيون المتنفذون مثل نوري المالكي وحيدر العبادي إضافة إلى صراع المصالح الحزبية دورا أساسيا في تكريس وزيادة الشرخ داخل البيت الكردي.
ولدى أكراد اليوم تياران رئيسيان؛ قومي يدعم انفصال إقليم كردستان عن العراق على خلاف مع طهران، ويعمل لحين تحقيق الاستقلال على إبقاء الإقليم بأكبر قدر ممكن من الاستقلالية السياسية والإدارية عن بغداد.
ويقود هذا التيار الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، وهو أكبر الأحزاب الفائزة بين جميع القوائم الكردية بالانتخابات الأخيرة ويتوقع أن تتجاوز مقاعده البرلمانية 25 مقعدا.
فيما يتواجد تيار ثانٍ مناقض للأول قريب من إيران ومشروعها ومن الأحزاب الشيعية ببغداد ويضم حزب الطالباني، وحركة التغيير، وحزب جديد برئاسة السياسي الكردي برهم صالح، والأطراف الـ3 تحمل النهج نفسه كونها كانت حزبا واحدا في الأساس، قبل الانشطار لـ3 أحزاب ويتوقع أن تنال مجتمعة نحو 23 مقعدا بالبرلمان.
وقال الحزب الديمقراطي الكردستاني في أول موقف له بعد الإعلان عن النتائج غير النهائية، إن وحدة الصف الكردي والتفاهم بين الأطراف السياسية لمواجهة التحديات في الحفاظ على المكاسب الدستورية ونيل المزيد منها.
وحث جميع الكتل الكردية إلى أن تضع مصلحة الشعب والوطن أولوية قبل المصالح الحزبية والمناصب.
كما دعا الحزب إلى وضع الشراكة والتوافق والتوازن وليس المناصب كأولويات في المحادثات مع الكتل العراقية لتشكيل الحكومة القادمة.
مفاوضات ما بعد الانتخابات
بدوره، رجح أستاذ العلوم السياسية بجامعة صلاح الدين والمستشار بقضايا الدستور، عبدالحكيم خسرو، أن "يهتم الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني في مفاوضاته مع الأطراف العراقية ببرامجها أكثر من التركيز على الأسماء والمكاسب الحزبية، فيما ستنظر الأحزاب الكردية الأخرى إلى المناصب التي ستعرض عليها".
وفي حديثه مع "العين الإخبارية"، قال خسرو إن "الكرد لم يعودوا بيضة القبان الحاسمة، أعتقد أن الحزب الديمقراطي الكردستاني سيكون له تأثير أكبر من بقية الأحزاب الكردية على مفاوضات تشكيل الحكومة القادمة، وهو مؤثر بالفعل في مواضيع أخرى مثل استقرار الحكومة، وعلاقة بغداد بإقليم كردستان".
وحول الشروط الكردية للتفاوض، قال أستاذ العلوم السياسية إن "الديمقراطي الكردستاني لن يراهن على الأشخاص، بل على البرامج وتعهدات الالتزام بالرؤية الدولية حول العراق التي تطالب بمعالجة التناقضات الداخلية، وحل المشاكل وتحقيق الاستقرار ومحاربة الإرهاب وحماية الحقوق الدستورية للكرد والمحافظة على الكيان الفيدرالي لكردستان، وإنهاء الملفات الخلافية العالقة بينها و بغداد".
وبشأن الجهات والأشخاص الذين يفضل الأكراد التحالف معهم لتشكيل الحكومة، قال خسرو: "أعتقد أن معظم القادة الشيعة غير مرغوب بهم لدى الأكراد بسبب تجارب التعامل السابقة معهم، ربما يكون لدى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر نسبة من المقبولية في التعامل من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن لا يُعلم هل سيساعد برنامج قائمته سائرون على دخولهم في مفاوضات معه".
وأضاف: "أعتقد أن الديمقراطي الكردستاني لا يفضل التحالف مع حزب الدعوة بقائمتيه، النصر التابعة للعبادي، ودولة القانون لنوري المالكي، فالعبادي لم يعد مقبولا بسبب موقفه من الاستفتاء وإعطائه الأوامر للجيش بمهاجمة المناطق المتنازع عليها، وقيامه بقطع حصة إقليم كردستان من الميزانية ووقف صرف رواتب موظفي الدولة بالإقليم".
ويعتقد الكاتب السياسي الكردي مامند روزه، أن "الأكراد بمواجهة تهديدات عدة على صعيد تشكيل الحكومة العراقية القادمة، وأن نجاح أي من جبهتي ايران وأمريكا في تشكيل الحكومة سيعود بنتائج سلبية على كردستان".
وأضاف روزه في مقال رأي : "فوز الجبهة الإيرانية بالحكومة المقبلة سيزيد من الانقسام الداخلي الكردي، وبدوره المشروع الأمريكي يهدف لحكومة توافقية برئاسة العبادي ويدعم تقوية بغداد وإضعاف تطلعات الأكراد القومية، تماما مثلما فعلت بريطانيا في عشرينيات القرن العشرين عندما قادت نشأة دولة عراقية مركزية قوية وإضعاف الأكراد الذين كانوا أقرب إلى الكيان المستقل تحت حكم محمود البرزنجي الشخصية الدينية والعشائرية القوية".
وبخلاف الأكراد الذين لديهم قوائم قوميةخالصة، ينقسم السنة بين قوائم خاصة بهم وثانية عابرة للمذهب وثالثة موالية لأحزاب شيعية، في تناقضات قوية.
وبحسب مراقبين سترفع الكيانات والنواب السنة قائمة أولويات تركز على استحقاقات إعمار المناطق المدمرة، وحلّ ملف النازحين، ووقف الاجتثاث وإغلاق المعتقلات وإطلاق السجناء السنة.
وعن تأثير السنة والكرد على تشكيل الحكومة القادمة، قال خسرو: "كلما تجاوزت الكتل الشيعية خلافاتها التي ليست عميقة وجوهرية واتحدت وتفاهمت وتعاونت في تشكيل الحكومة القادمة؛ ضعف التأثير السني والكردي في هذا الموضوع والعكس بالعكس".
وأوضح: "الشيعة أقرب للتفاهم والتعاون فيما بينهم ونقاط التلاقي كثيرة وقويّة في ظل مرجعية مذهبية جامعة، وهذا الأمر يأخذ أولوية لدى مختلف الفصائل الشيعية ويتقدم على اهتمامات تحقيق التفاهم مع السنة والأكراد، بخلاف السنة والأكراد الذين لا يضعون التفاهم فيما بينهم على رأس الأولويات".
وقال البرلماني الكردي مسعود حيدر إن "التوجه الإقليمي والدولي حول العراق في المرحلة القادمة هو دفعه لتشكيل حكومة وحدة وطنية تعكس تمثيل جميع المكونات".
وأضاف في بيان أصدره: "سيكون دور المجتمع الدولي والدول المجاورة للعراق مهماً في تشكيل الحكومة القادمة، ورغم الملاحظات على نتائج الانتخابات فالتمثيل الكردي بالبرلمان سيكون بين 56 و60 مقعداً، وإذا ما كانوا موحدين في البرلمان فسيكونون أكبر كتلة برلمانية وسيكون لهم دور وثقل كبير".
أما البرلماني الكردي إسلام عيسى حسين وهو عضو بحزب البارزاني، فرأى أن "تشكيل الحكومة متوقف على الشيعة بشكل أساسي، فإذا تعاونت جبهة إيران مع جبهة المرجعية في النجف فقد تتشكل خلال شهر ونصف الشهر".
وأضاف حسين لـ"العين الإخبارية": "بخلاف ذلك فإن محادثات تشكيل الحكومة المقبلة لن تكون سهلة وقد تمتد المفاوضات لعدة أشهر لأنه ليس هناك كتلة بعدد حاسم من المقاعد يساعدها على تشكيل الحكومة.. ومع حلول شهر رمضان ستنشغل الأحزاب العراقية بهذا الشهر".
وانتقل العراق بعد الاحتلال الأمريكي له في 2003، إلى تطبيق نظام المحاصصة الطائفية والقومية.
وكان قبلها وعلى مدى 8 عقود يعمل على تأسيس نظام وطني وخلق هوية عراقية تنصهر فيها الهويات القومية والمذهبية والدينية في دولة مواطنة، لكن الفشل كان نصيب النظامين وقد آثر نظام المحاصصة سلباً بشكل أعمق.
ويرى الأكراد أنه لا يوجد فرق كبير بين النظامين السياسيين، وليس هناك واحد أفضل لهم من الآخر، وأن التغيير هو في الوجوه والأسماء وليس في كيفية معاملة السكان الأكراد.
ونشر مركز بحوث محلي بإقليم كردستان ورقة حول الموضوع جاء فيها: "يبدو أن الأحزاب القوية ستنتهي في نهاية المطاف بجدول الأعمال ذاته الذي يعمل على تعزيز بغداد، ويضعف ويحرم كردستان.. ما ينبغي أن يفعله الأكراد الدخول في مفاوضات بفريق موحد لمنع المزيد من التأثيرات السلبية على المصلحة الوطنية".
aXA6IDE4LjIxNi4xNDUuMzcg جزيرة ام اند امز