انتخابات أكتوبر بالعراق.. بين جدل التأجيل وفرص القوى الصاعدة
بات العراق على بعد شهر ونصف تقريبا من انتخابات العاشر من أكتوبر المبكرة؛ الموعد الأكثر جدلاً في تاريخ البلاد السياسي منذ عام 2003.
لكن هذه الانتخابات التشريعية المرتبقة، تقترب وسط لغط لا ينتهي في الأوساط السياسية، بين مشكك من إمكانية إقامتها في موعدها، وبين مؤكد أن لا تغيير في تاريخ الاقتراع، ولا في الخارطة السياسية.
ومع تأكيدات السلطات الحكومية في بغداد أن لا "تأجيل" لموعد إجراء الانتخابات البرلمانية في العراق، تلوّح أوساط سياسية وقوى نافذة ببطاقة التأجيل وإرجاء الاقتراع إلى العام المقبل.
وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أنهى اجتماعاَ مطلع الشهر الحالي مع قيادات وزعامات أحزاب وقوى سياسية فاعلة في المشهد العراقي، تم التأكيد خلاله على إجراء الانتخابات في موعدها، في العاشر من أكتوبر المقبل.
وتندفع فرضيات التأجيل تحت ذرائع وأسباب شتى، تأتي في مقدمتها البيئة الآمنة، لإجراء الانتخابات، وسط تداعٍ في الأوضاع الأمنية، على مستوى تحديات مواجهة داعش والمليشيات المسلحة.
فيما يرى مراقبون عكس ذلك الأمر، إذ يعتقدون أن الكثير من الكيانات والأحزاب الكبيرة تحاول وأد الانتخابات قبل موعدها الثاني المفترض، لأنها تخشى تراجع حظوظها بعد خسارات طالت رصيدها الجماهيري طيلة الفترات الماضية.
موازين ثابتة
مع أن الانتخابات المنتظرة تقوم في فلسفة توقيتاتها على إرادة جماهيرية دفع ثمنها الشارع العراقي، من دمائه، تضحية، لكسر المعادلات السياسية، التي حكمت البلاد منذ عام 2003، إلا أن التوقعات باتت تتناغم مع سيناريوهات تشابه النسخ السابقة، حسب متابعين.
يقول رئيس مركز "تفكير"، المحلل السياسي إحسان الشمري، إن "مؤشرات المشهد الانتخابي تدلل لغاية الآن على أن حظوظ القوى التقليدية ما زالت في تعافٍ وأن فرصها تنذر بتكرار ما حصل في الانتخابات الأربع الماضية التي جرت في العراق".
ويؤكد الشمري في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "انسحاب القوى المنبثقة من الحراك التشريني ومقاطعتها المبكرة للانتخابات يعزز من حظوة تلك القوى بإعادة تدوير نفسها مرة أخرى في ظل توغل وسيطرة محكمة على مقاليد المؤسسات والمال العام".
وكانت قوى انتخابية تشكلت من رحم الشارع الاحتجاجي أعلنت في مايو/أيار، انسحابها من الانتخابات المبكرة، في رد على استمرار عمليات الاغتيال التي تطال الناشطين ورموز الحركة المدنية.
وبعد أكثر من شهرين، أعلن التيار الصدري مقاطعة الانتخابات التشريعية، مطالبا بتأجيلها إلى العام المقبل، مما فتح الباب لانسحابات أخرى بينها المنبر الوطني بزعامة إياد علاوي، وجبهة الحوار الوطني لصالح المطلك والحزب الشيوعي.
ويتوقع الشمري أن تكون نتائج الانتخابات "متوقعة ومعروفة مسبقاً"، في ظل مقاطعة الكثير من قوى "الشارع الاحتجاجي"، والشخصيات المستقلة.
فيما يرى المحلل السياسي ماهر جودة أن "الانتخابات التي ستجري في أكتوبر المقبل ستكون منعطفاً مهما في تاريخ العراق السياسي ونقطة تحول في تمثيل الإرادة الشعبية".
ويوضح جودة، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "هنالك محاولات لقوى وكيانات بتشويه الانتخابات ونتائجها مسبقاً، لكونها لم تأت بما ينسجم مع ظروفها ومزاجها السياسي والتي أدركت أن حظوظها لن تكون على ما يرام".
ويؤكد جودة أن إجراء الانتخابات في موعدها المقرر ليس محل اتفاق حكومي وسياسي داخلي فحسب، وإنما هنالك إرادة إقليمية دولية على المضي بهذا الاتجاه، والمساعدة على إنجاحها.
الانتخابات بموعدها رغم "نظرية المؤامرة"
وأمس الأربعاء، قدمت المبعوثة الأممية جينين بلاسخارت تقريراً إلى مجلس الأمن الدولي، أحاطت فيه بمجريات ما يحدث من استعدادات في العراق للتجهز للانتخابات المقبلة.
وأكدت المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة في العراق أن الأخير قدم جهوداً كبيرة في مجال استكمال جميع الظروف والجوانب اللوجستية والفنية استعداداً لإجراء الانتخابات.
ولفتت بلاسخارت إلى أن "انتخابات تشرين لديها مقومات تختلف عن سابقاتها"، مبينة أن "المعلومات المضللة -بل حتى نظريات المؤامرة- لا تزال تخلق تصورات خاطئة".
تجربة تتكرر
خلال انتخابات التشريعية الماضية التي شهدت إقبالاً هو الأضعف في سجل العراق الانتخابي ما بعد 2003، حصد تحالف "سائرون"، الذي جمع بين التيار الصدري والحزب الشيوعي وتكنوقراط مدنيين، المرتبة الأولى بـ54 مقعدا من أصل 329.
وجاء تحالف "الفتح" الذي يضم مليشيات الحشد وفصائل مقربة من إيران ثانياً بـ47 مقعدا، بينما حل ائتلاف "النصر" ثالثا بـ42 مقعدا، فيما نال الحزب الديمقراطي الكردستاني 25 مقعدا.
وجاءت القائمة الوطنية التي يتزعمها إياد علاوي وقوى سنية بـ21 مقعداً. كما حصد "تيار الحكمة" 19 مقعدا، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني 18 مقعدا.
وقد استبقت تلك الانتخابات وهي الرابعة من نوعها اعتراضات كبيرة من قبل القوى السياسية التي تمثل المناطق المحررة من سيطرة تنظيم داعش، والتي طالبت بتأجيلها عن الموعد المقرر، كون أغلب جمهورهم ما يزال في مخيمات النزوح، والظروف البيئية والأمنية غير مؤاتية لإنتاج تمثيل انتخابي عادل.
يقول الأكاديمي المختص بالنظم الانتخابية حسن هاشم إن "نتائج انتخابات 2018، التي شكك الجمهور بدقة وصحة أقامها هي من كانت وراء اندلاع الاحتجاجات التشرينية في البلاد".
ويحذر هاشم خلال حديث لـ"العين الإخبارية" من تكرار ما حصل قبل ثلاثة أعوام، وربما سيكون الموقف أكثر تعقيدا وأكبر اتساعاً في دائرة العنف والغضب الشعبي.
قوى صاعدة
وبحسب قوائم الترشيح وطبيعة التحالفات السياسية المسجلة رسمياً في دوائر المفوضية العليا للانتخابات، تبرز قوى وتيارات رئيسة بدا لها القبول الشعبي في العديد من المناطق العراقية.
فعلى مستوى القوى السنية، في المناطق الغربية والشمالية وبعض من الوسط، يبرز تياران رئيسان يتنافسان على صدارة الموقف الانتخابي وهما تحالفا "تقدم" و"العزم".
ويمثل الخط الأول تحالف "تقدم الوطني" بزعامة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي وشركائه من نواب وشخصيات أكاديمية وشيوخ عشائر في محافظات صلاح الدين والأنبار ونينوى وديالى وكركوك وبغداد.
ويمثل التيار الثاني تحالف "العزم" بقيادة خميس الخنجر وشركائه من حزب "الحل" بقيادة محمد الكربولي، ورئيس البرلمان السابق سليم الجبوري، ورئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي، وعدد كبير من النواب والوزراء السنة السابقين وشخصيات عشائرية في المحافظات ذات الغالبية السنية وبغداد.
في الجانب الآخر، تنحسر حظوظ القوى الشيعية في تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري إلى جانب ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، إضافة إلى تحالف "قوى الدولة الوطنية" برئاسة عمار الحكيم، و"النصر" بزعامة حيدر العبادي.
وعلى ما يبدو فإن معالم التنافس باتت واضحة ومحصورة عند كيانات رئيسية مؤثرة، غير أن حظوظها ما تزال غير معلومة في حجم كسبها من أصوات ناخبيها، كما يقول هاشم.
ويتابع الخبير في النظم الانتخابية حسن هاشم أن "المعادلات التي تسيدت المشهد السياسي طيلة 18 عاماً وعلى ما يبدو لن تكسرها رهانات أكتوبر المقبل"، مؤكداً "سنكون أمام مشهد مماثل بين قوى تقليدية مهجنة ببعض الدماء ليس أكثر".
ويتنافس في الانتخابات التي ستجري بعد أقل من شهر ونصف نحو 21 تحالفا، إضافة إلى أحزاب ومستقلين، بواقع 3249 مرشحاً بينهم 951 امرأة.
تقول جمانة الغلاي المتحدثة باسم المفوضية العليا للانتخابات أن "789 مرشحاً يخوضون سباق الانتخابات كمستقلين، و959 مرشحاً ضمن التحالفات، و1501 مرشحا ضمن قوائم الأحزاب".
ووفق إحصائيات رسمية كشفت عنها مفوضية الانتخابات، يحق لأكثر من 25 مليون مواطن التصويت في الانتخابات العراقية التشريعية المقبلة. وتتوزع أعداد الناخبين في 83 دائرة انتخابية في عموم مدن البلاد، وبواقع 8273 مركز اقتراع، و55 ألفا و41 محطة انتخابية.