بمقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس تبلّغ كل قادة الحشد الشعبي في العراق الرسالة
بمقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس تبلّغ كل قادة الحشد الشعبي في العراق الرسالة. بل تبلغ مثلها قادة إيران أنفسهم وكل رؤوس الإرهاب الآخرين الذين كان سليماني وخامنئي يشرفان على نشاطاتهم وجرائمهم وأعمالهم التخريبية.
الرسالة تقول بوضوح إنه ما من أحد منكم يمكنه أن ينجو. وإن تهديد مصالح الولايات المتحدة في العراق خط أحمر، وإن التغول مكلف. وإذ تتحملون المسؤولية بالاسم، فبالاسم تتلقون الرسالة.
لقد كانت ضربة تهتز لها الرُكب في إيران، وترتعد لها الفرائص في العراق. وتعلّم، في لبنان، كل من لم يتعلم بعد أن للوقاحة ثمنا.
فإذا كانت أخطاء الرئاسات الأمريكية السابقة هي التي أتاحت الفرصة لإيران ومليشياتها أن تطغى وتتمدد، فإن الغوغائية آخر ما يمكنه أن يكون سبيلا للمواجهة.
مقتل رأس الأفعى، لا بد أن يكون أصاب بالرجفة كل الزمرة القذرة التي تولت قيادة النظام الطائفي في العراق. ولا بد أن يشعر حسن نصر الله في لبنان بأن الحفرة التي يُلقي منها خطاباته الغوغائية يجب أن تكون أعمق لحمايته.
أما صاحبه عبد الملك الحوثي في اليمن، فهو وإن كان يبدو مجرد نسخة كوميدية منه، فلا شك أنه يعرف الآن، أن بقاءه مشروط بتأدبه، لا بالوقاحة التي دأب على أن يُظهرها كتكرار هزيل لوقاحة معلمه.
الآن صار الكل يعرف حدوده. وعليه أن يختار، أحد خيارين، لا ثالث لهما. إما أن يضع ذيله بين فخذيه، ويهزه عندما يُطلب منه. أو أن يخرج للتحدي، وهو يعرف جيدا ماذا ينتظره.
أولا، هذا أول سقوط لمشروع ولاية الفقيه. ذلك أن الفقيه الذي لا يعرف كيف يحمي رؤوس أفاعيه، ولا يجد سبيلا للرد بالمقدار نفسه من القوة، لن يكون بوسعه أن يتباهى بولاية لا ولاية لها على نفسها.
ثانيا، إنه أول سقوط لمشروع "تصدير الثورة" أو للمشروع الطائفي الذي ترعاه إيران، وكلفت به قاسم سليماني. هذا المشروع الذي يتصدع بالاحتجاجات الشعبية في العراق ولبنان، لن تقوم له قائمة من بعد الآن. والمسألة إنما هي مسألة وقت، قبل أن تدرك سلطة خامنئي أن مقتل سليماني، بضربة لا لبس فيها، تشكل منعطفا مرتدا لا سبيل إلى رده، لنهاية هذا المشروع الإجرامي.
ثالثا، مقتل مجرم كبير، بحجم سليماني يضع الولايات المتحدة، للمرة الأولى، إلى صف ملايين الضحايا في العراق ولبنان واليمن. فإذا كانت القصة هي أن تحمي مصالحها، فإن الولايات المتحدة نفسها تعلمت درسها الخاص، وهي أنها لا تستطيع أن تعول في حماية هذه المصالح لا على تواطؤ إيران، ولا على مليشياتها ولا على غوغائها.
رابعا، الوجه الآخر الذي تعلمته الولايات المتحدة هو أن مصالحها يمكن أن تُحفظ بالاحترام المتبادل. وهي من الكبر والقوة بما يكفي لأن يشعر العراق أنه بحاجة لها، ليس عسكريا، وإنما اقتصاديا وتجاريا وتقنيا. الاحترام مفتاح مهم لكل علاقة جديرة بالبقاء. وهو مفتاح كان بوسعه على الدوام أن يحمي ويزيد تلك المصالح.
خامسا، الأحزاب الطائفية في العراق خسرت الجولة بالضربة القاضية أخيرا.. ولا بد أن رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي سمع من الكلام ما يكفي. فالقوات الأمنية التي وقفت سدا منيعا لحماية مقره ومقر برلمان تلك الأحزاب، ثم عادت وأفلتت الزمام لمظاهرات الحشد الشعبي لتهاجم السفارة الأمريكية، كشفت وقاحة، يعرف الآن ما هو ردها المناسب. ولسوف يكون أول من يقبل أن النهاية نهاية، وأن ساعة البحث عن مأوى قد أزفت.
سوف ينتظر العالم، والمنطقة التي ابتليت بالمشروع الصفوي، رد الفعل الإيراني على ضربة هي في الواقع أكبر بكثير من صفعة على وجه خامنئي.
ولقد كانت ضربة تهتز لها الرُكب في إيران، وترتعد لها الفرائص في العراق. وتعلّم، في لبنان، كل من لم يتعلم بعد أن للوقاحة ثمنا.
فإذا كانت أخطاء الرئاسات الأمريكية السابقة هي التي أتاحت الفرصة لإيران ومليشياتها أن تطغى وتتمدد، فإن الغوغائية آخر ما يمكنه أن يكون سبيلا للمواجهة.
ولسان حال الرئيس دونالد ترامب، الذي اكتفى بتغريدة نشر فيها العلم الأمريكي فقط، يقول: تعالوا الآن إذن، إلى ساحات المواجهة. أو ضعوا الذيل في مكانه الأصوب.
الولايات المتحدة تدرك هي نفسها الآن أن المشروع الطائفي الإيراني سوف يُهزم، وأن من الخير لها أن تقف في الخندق الصحيح.
كان رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل خاطب برلمان بلاده ذات يوم بالقول: "إن الولايات المتحدة تفعل الشيء الصحيح دائما"، وتوقف لبرهة ليستطرد: "بعد أن ترتكب كل الأخطاء الممكنة".
والحال، لم تترك إدارتا الرئيسين جورج بوش الابن وباراك أوباما خطأ إلا ارتكبته، في العراق خاصة، ولكن حان الوقت لفعل الشيء الصحيح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة