العراق في معادلة الاتفاق السعودي الإيراني.. هل يذوق ثمرة الوساطة؟
جاء الاتفاق السعودي الإيراني كثمرة لجهود وساطة قامت بها 3 دول هي العراق وسلطنة عمان بالإضافة إلى الصين التي استضافت توقيع الاتفاق.
وقد شارك العراق بجهود وساطة سياسية حثيثة للتقريب بين الرياض وطهران، واستضاف 5 اجتماعات بين الجانبين في بغداد.
أثمرت تلك الجهود التي كانت على المستويين الاستخباري والأمني، وشاركت فيها أيضا سلطنة عمان ورعتها الصين عن الاتفاق الذي جرى توقيعه ببكين أول أمس الجمعة بين السعودية وإيران.
الخلاف السابق بين الرياض وطهران كان العراق إحدى حلقاته الرخوة والمتضررة من انعكاساته الحادة، ما دفع رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي إلى أخذ المبادرة والتحرك بوساطة لتبريد الأزمة بين إيران والسعودية.
وعقب تلك الجهود كان منطقيا أن يكون العراق في طليعة المرحبين بالبيان الثلاثي المشترك الصادر عن السعودية وإيران والصين، باستئناف العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية.
وقال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إن "الاتفاق بين السعودية وإيران سيُسهم في زيادة الوئام بين البلدان الإسلامية، وسينعكس إيجاباً على أمن المنطقة واستقرارها".
ولعل استشراف العراق لمزيد من الأمن والاستقرار بالمنطقة عقب توقيع الاتفاق لا يخلو من حسابات سياسية داخلية ترتبط باتساع النفوذ الإيراني داخل العراق خلال فترة القطيعة مع السعودية، وهو ما خلق نوعا من الاستقطاب الداخلي الحاد الذي انعكس سلبا على مقدرات العراق السياسية والاستراتيجية.
الاتفاق والحاضنة العربية للعراق
فبعد 7 سنوات من إعلان السعودية قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران توصل البلدان إلى اتفاق برعاية صينية، يقضي باستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، فما أوجه استفادة العراق؟ وهل يمكن فك عقدة الارتباط السياسي بين النخبة العراقية وإيران بمنطق ما قبل الاتفاق؟
كان لزاما أن تأخذ الدول العربية في الاعتبار أن العراقيين، حتى من يرفض النفوذ الإيراني، لا يريدون أن تتحول بلادهم إلى ساحة للتنازع الإقليمي، وأنهم يثمنون هويتهم العراقية العربية على الشيعية.
وكانت الرياض من أوائل المبادرين في 2016 نحو الإقبال العربيّ على العراق بعد انقطاع لنحو 25 عاما منذ فترة النظام السابق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين.
وبدأ التقارب في عام 2016، وتسارعت خطى التقارب في 2017، فكانت زيارة رئيس وزراء العراق الأسبق حيدر العبادي للسعودية مرتين، وإعلان عودة الرحلات الجوية بين البلدين وعودة العمل إلى معبر "عرعر" البري بين البلدين.
وتوالت زيارات سياسيين ومسؤولين عراقيين للسعودية، كما كانت هناك زيارات من وفود سعودية إلى العراق وإن لم تبلغ مستويات رفيعة لكنها كانت مهمة، وترافقت مع قمم عربية عراقية تنحو نفس المنحى خاصة مع الإمارات ومصر والأردن.
لم تكن تلك التحركات العربية باتجاه العراق موجهة ضد إيران، لكنها مثلت إلى حد كبير حالة من التوازن بالعراق بديلا لتركه فريسة للاستقطاب والتوجه الأحادي، الذي يفصل العراق عن عروبته.
ولعل الاتفاق الأخير بين السعودية وإيران سيكون دافعا أكبر نحو استقرار وأمن المنطقة، خاصة في ملفات عديدة أبرزها الملف العراقي، خاصة إذا أدركت طهران اللحظة الفارقة تاريخيا لتصالح عميق وفعال مع محيطها الإقليمي والعربي خصوصا.
فرصة لطهران واستقرار للعراق
الأكاديمي العراقي ورئيس مركز "تفكير السياسي" إحسان الشمري اعتبر أن "ما تحقق بين إيران والسعودية يأتي كثمرة للجهد العراقي عقب استضافته خمس جولات أسهمت بشكل كبير في تقريب كبير بين الجانبين".
وأضاف الشمري، لـ"العين الإخبارية"، أن "إيران وعلى ما يبدو متحمسة وبشكل لا يقبل الشك لتحقيق التقارب وإنهاء نقاط الصراع مع الخليج العربي، وتحديدا السعودية، بسبب العقوبات الدولية وعزلتها عن العالم وتفاقم أوضاعها في الداخل، وبالتالي فإن السلام المتحقق في بكين فرصة لطهران في الالتقاط والإمساك بتلك اللحظة".
وأشار إلى أن النهج السعودي نحو تبريد الأزمات والدفع إلى التهدئة والاستقرار قد تمثل في جلوس مفاوضي الرياض مع الجانب الإيراني، انتهاء ببيان اتفاق متعدد في الشؤون الدولية والدبلوماسية.
وعن تأثير الاتفاق السعودي الإيراني على بغداد، قال الشمري "قطعاً إن ذلك يصب في صالح العراق فكلما كسبنا أطرافاً متصالحة، خصوصاً من دول الجوار سيكون لذلك أثر في تحقيق الاستقرار الداخلي على مستويات السياسة والاقتصاد والتنمية وغيرها".
وتلقى رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أمس الجمعة، اتصالاً من أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني قدم من خلال ذلك شكره لبغداد وثمن دور العراق في الوساطة بين طهران والرياض.
من جانبه، اعتبر رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي أن الاتفاق بين السعودية وإيران سينعكس إيجاباً على العراق والمنطقة بأسرها.
وقال علاوي، في مؤتمر صحفي عقده في العاصمة العراقية بغداد، إن "السعودية وإيران توصلا لاتفاق لإعادة العلاقات بينهما إلى طبيعتها مما سيكون له تأثير على العراق والمنطقة والعالم بأسره، ونحن نؤيد هذا الاتفاق الذي أبرم برعاية دولة الصين".
الرعاية الصينية والتحول الاستراتيجي
واتفق مع الرأي السابق رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية فيصل غازي، معتبرا أنه من المنطق السياسي أن تذهب إيران باتجاه السعودية، بعد فوضى وتصادم وصراع انعكس في لبنان وسوريا والبحرين والسودان والعراق وغيرها، مضيفا "بالتالي فإنه آن الأوان للتفكير في صناعة السلام بدل الحرب وتصدير الأذرع المسلحة".
وقال غازي، لـ"العين الإخبارية"، إن "القمة الصينية العربية في الرياض التي سبقت إعلان بكين، أنشأت تحولاً استراتيجياً بمنطقة الشرق الأوسط على مستوى العلاقات للقوى العسكرية ببعدها السياسي والأمني".
وأضاف أنه "لدى الصين استثمارات كبيرة في المنطقة تصل لأكثر من 400 مليار دولار، وأيضاً هنالك مصالح لدول كبرى خصوصاً أنه بعد الحرب الروسية الأوكرانية ازدادت الأهمية للشرق المتوسط، كبديل لتوريد الطاقة وهو ما يفرض على تلك القوى تأمين تلك المنطقة ونشر الاستقرار".
وشدد غازي على أنه على إيران أن تجري مراجعة لسياساتها باتخاذ موقف واضح من أجندتها السابقة التي تعني بتصدير المليشيات، والضرب بالإنابة وإدارة الصراعات عبر أراض مستأجرة، وهو ما سيتوقف عليه صدق نوايا الاتفاق المتحقق من عدمه".