احتجاجات العراق.. زخم شعبي للكاظمي ضد مليشيات إيران
اختلفت الاحتجاجات العراقية من حيث المكان، لكنها توحدت تحت راية الذكرى الأولى للحراك، متمسكة بتقديم قتلة النشطاء للقضاء، وكشف الفاسدين.
مظاهرات حاشدة شهدتها العاصمة بغداد وعدد من المدن العراقية باليومين الماضيين، دافع خلالها المحتجون على مطالبهم بالتغيير وإبعاد السلاح المنفلت عن واجهة الدولة العراقية، ورفع أيدي إيران عن القرار العراقي.
ورشق محتجون، وصفتهم السلطات العراقية بـ"العصابات المندسة"، القنابل اليدوية وزجاجات المولوتوف الحارقة على رجال الأمن بمناطق متفرقة من بغداد ومدن عراقية أخرى، ما أسفر عن سقوط أكثر من 700 مصاب بين كلا الطرفين، بحسب بيان لمنظمة حقوق الإنسان بالبلاد.
- عراقيون في ذكرى احتجاجات "25 أكتوبر": أين قتلة المتظاهرين؟
- "حراك تشرين" بالعراق يكمل عامه الأول ويضيف لمطالبه القصاص
ورغم محاولات إخراج المظاهرات عن سلميتها، إلا أن مراقبين يرون أن تلك الاحتجاجات أعطت لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي جرعة عالية من القدرة على متابعة ملف الشهداء الذين سقطوا بأحداث أكتوبر/تشرين الأول 2019.
رسائل للكاظمي
الناشط المدني العراقي سلوان حسين، يرى أن ما حدث خلال إحياء الذكرى الأولى للحراك الشعبي، محاولات من بعض الأطراف الدولية لتوظيف الاحتجاجات لمصالح وأهداف إقليمية.
واستدرك، في حديث لـ"العين الإخبارية"، قائلا إن "ذلك لن يغير في استمرار المظاهرات وممارسة الضغط على القوى السياسية لتحقيق المطالب المنشودة".
وتابع: "الجمهور الغاضب مما يحدث في العراق طوال السنوات الماضية، أراد إيصال رسائل عبر تلك المظاهرات إلى حكومة الكاظمي على وجه الخصوص، للمضي برفع المخلفات السياسية عن المشهد العراقي، والتهيئة لتدشين عهد جديد".
من جانبهم، يرى مراقبون أن استمرار المظاهرات ضرورة سياسية وشعبية في الوقت ذاته، لكونها توفر الزخم الجماهيري لحكومة الكاظمي للوقوف على أرض أكثر صلابة وقوة في مواجهة المليشيات الموالية لإيران.
فيما يؤكد المحلل السياسي العراقي ياسين الحجيمي، على ضرورة إدامة روح التظاهر وتثبيت جذور المطالبات السليمة، لكونها مرحلة تأسست على دم الضحايا واستطاعت أن تحقق قفزة في مستوى الإدراك الجمعي لدى أغلب الجماهير.
ويقول الحجيمي، في حديث لـ"العين الإخبارية": "رغم الإحباط والانكسار الذي يسيطر على أغلب العراقيين نتيجة تدهور الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، غير أن هناك آمال معلقة على شخصية الكاظمي في تجاوز تلك الأزمات، وفتح حقبة جديدة من التعاطي بين السلطة والمواطن".
وتواجه حكومة الكاظمي تحديات كبيرة ومعقدة ورثها عن الحكومات السابقة، مما يضع البلاد أمام سيناريوهات مثيرة للقلق، وتحديات جسيمة بينها ملف الاقتصاد والفصائل المسلحة التي تتحرك خارج نطاق الدولة.
المليشيات أو الدولة
وتباينت ردود الأفعال والمواقف تجاه تحركات الكاظمي في إنجاز العهود التي قطعها على نفسه منذ وصوله إلى سدة الحكم قبل شهور، من بينها إجراء الانتخابات المبكرة، وإيجاد الحلول الاقتصادية، وإنهاء المظاهر المسلحة غير الشرعية.
ورغم أن الكاظمي الذي جاء على أنقاض حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة لم يكن خياراً جماهيراً، لكنه كان الأقرب إلى مزاج الشارع الشعبي والأكثر قبولا بين أغلب الأوساط المجتمعية.
ويعتقد حمزة مصطفى الكاتب والمحلل السياسي، أن التحديات الاقتصادية وعجز الحكومة عن توفير رواتب الموظفين شجع على تدفق الجماهير إلى ساحات التظاهر مجدداً، فضلاً عن الفساد المستشري وعمليات النهب والهدر بالمال العام من قبل بعض الأحزاب المتنفذة والمليشيات المسلحة.
ويلفت مصطفى في حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى أن إيجاد الحلول لتعقيدات الوضع الراهن في العراق ليس بالأمر السهل، "لكوننا نواجه تداعيات ونتائج لمقدمات سياسية خاطئة امتدت لنحو 18 عاماً، وبالتالي الوصول إلى المخرجات يحتاج إلى وقت تراكمي طويل".
ووفق مصطفى، فإن المظاهرات تمثل إحدى القنوات التي تؤسس لمسارات جديدة في طبيعة العمل السياسي وقنوات الوصول إلى المناصب الحكومية بعيداً عن ميزان المحاصصة والأوزان المذهبية التي خلفت عراقاً متخلخلاً منغمسا في الانقسام والفوضى.
وفي قراءة للمشهد الاحتجاجي من زاوية الحتمية الاجتماعية للوصول إلى الحكم الرشيد، أشار الخبير إلى أن "المظاهرات حركة واعية متقدمة تخرج من رحم تجارب قاسية، ومحن جماعية عظيمة الأثر في تداعياتها".
وأوضح أنه : "إذا ما تتبعنا المشهد العراقي بدءاً من أحداث أبريل/نيسان 2003 إلى حاضرنا المعاش، سنجد أن الاحتجاج ضرورة قصوى لتثبيت دعائم العملية الديمقراطية التي ماتزال تعاني التعثر بسبب ثلة من السياسيين لا يؤمنون بخيارات الأغلبية والانتماء إلى الوطن دون عقيدة حزبية".
واعتبر أن "خطورة المظاهرات العراقية لمرحلة ما بعد أكتوبر/تشرين الأول 2019، تتمثل في قدرتها على تصحيح الأخطاء الشائعة، ورفع هالة القداسة عن الأسماء والشخصيات التي بقيت لزمن بعيد خارج مرمى الاتهام".