فاطمة الربيعي لـ"العين الإخبارية": الفن العراقي لم ينصف مظلومية المرأة
فنانة عراقية رائدة، دفعت ثمن دخولها الفن بأن حُرمت ميراثها من والدها، لكن ذلك زادها إصرارا لتقدم مئات الأعمال الفنية المتميزة.
فاطمة الربيعي، أو "عاشقة بغداد"، ولدت في مدينة الكوت، جنوب العراق، عام 1950، ثم انتقلت مع أسرتها إلى العاصمة بغداد وهي لا تزال في سنوات طفولتها الأولى.
ظهرت معالم موهبة فاطمة الربيعي مبكراً من خلال الأنشطة والفعاليات المدرسية التي كانت تقدمها في المرحلة الابتدائية والمتوسطة.
وكسرت التابوهات المقدسة للعادات والتقاليد المقيدة لدور المرأة، وهي لم تتجاوز عقدا ونصف العقد من عمرها؛ حين قررت مغادرة منزل والدها، لتبدأ أولى محطاتها في مصنع للجلود بعد أن وجدت فيه مسرحا عماليا تستطيع من خلاله الكشف عن قدراتها في التمثيل والوقوف على الخشبة.
بدأت من الإذاعة بصفة "مقدمة برامج"، ثم التحقت بالفرقة القومية للتمثيل عند تأسيسها في منتصف عقد الستينيات؛ لتكون أول عنصر نسوي ينضم إليها، وكذلك قدمت أولى عروضها المسرحية بعنوان "وحيدة"، والتي لعبت فيها دور البطولة.
تكليف وليس تشريفا
تقول الفنانة الرائدة فاطمة الربيعي في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إنها اختارت التمثيل ليس بدافع الهواية والرغبة وإنما من مسؤولية النهوض بواقع المرأة وقول كلمتها والتعبير عما لحق بها من ظلم وحيف اجتماعي عبر عالم الفن.
وشاركت الربيعي عبر مشوارها الممتد لنحو 5 عقود، في العشرات من المسلسلات، من بينها: "النسر وعيون المدينة، وخيط البريسم، وأعالي الفردوس، وذئاب الليل، وعنفوان الأشياء، وصانع السيوف، والهاجس"، وغيرها من الأعمال التي اتصفت بالأداء العالي وتناول موضوعات اجتماعية مهمة.
في السينما، كان لفاطمة الربيعي "نصيب الأسد"، حيث شاركت في العديد من الأفلام، منها: إلى بغداد، والملك غازي، واللعبة، وسحابة صيف، وعرس عراقي، والفارس والجبل، وحب في بغداد، والمسألة الكبرى، والأسوار، وتحت سماء واحدة، وجسر الأحرار، وشايف خير.
كما شاركت فاطمة الربيعي في العديد من المسرحيات، منها: جزيرة أفروديت، وخادم سيدين، وجلجامش، وكان ياما كان، وأبو الطيب المتنبي.
مشوار أكاديمي متأخر
لم تمنع النجومية والنجاح المتصاعد فاطمة الربيعي من مواصلة مشوارها الدراسي والتسلح بشهادة أكاديمية. تقول الربيعي إنها "حصلت في مطلع ثمانينيات القرن الماضي على استثناء من العمر لدخول معهد الفنون الجميلة ضمن الدراسات المسائية".
وتلفت الربيعي إلى مفارقة ظريفة، حيث كان ولدها حينها طالباً في المعهد ذاته ضمن الدراسات الصباحية. وتستدرك: "الفن رسالة عظيمة يفرض على العاملين فيه أن يكونوا في أعلى درجات الرقي الثقافي والدراية والوعي العلمي على خلاف ما نشهده اليوم مع الأسف".
وتضيف: "الفن العراقي اليوم بات يختلف كثيراً عن سابق عهده بعد فترات ذهبية ظهر خلالها فنانون كبار، أمثال: يوسف العاني وبدري حسون فريد وجعفر السعدي وسهام السبتي وابتسام فريد".
الفن بات هامشياً
وردا على سؤال بشأن الدراما العراقية بين الماضي والحاضر، تقول الربيعي: "الأعمال السابقة كانت متكاملة من ناحية الإنتاج والإخراج والنص والحوار فضلاً عن الجوانب الفنية والتقنية، أما اليوم فبات الأمر مختلفاُ حيث هنالك فقر واضح في عملية الإعداد والأهم من ذلك الرسالة التي يقصد تقديمها من خلال هذا العمل أو ذاك".
وأعربت الربيعي عن خيبة أملها في إمكانية تعافي الفن العراقي، بعدما قدم أعمالا كبيرة وعظيمة، مشيرة إلى أن الأمر أصبح الآن "عرضة للمزاج الشخصي والغايات الربحية على حساب المضمون والهدف السامي".
أمنيتي الأخيرة
تتحدث الفنانة الرائدة عن مشوارها الفني الطويل الذي عاصرت فيه الكثير من الأسماء الكبيرة والأحداث المهمة، مشيرة إلى أن "الفن أخذ مني الكثير ولكن عوضني بعائلة ونجاح ومحبة عارمة من الناس".
وتابعت: "أتمنى أن تنتهي مظاهر الفوضى التي عمت البلاد ونسدل الستار على ما نشهده من عسكرة للمجتمع ما انعكس على جميع مرافق الحياة، ومن بينها الفن والأدب والثقافة".
وتشدد الربيعي على دور المرأة العراقية وما لاقته من مآس وما قدمته من تضحيات جسام، وهو ما يفرض أن تنال الاهتمام الواجب الذي يزيح عنها ذلك العناء والبلاء.
وختمت الربيعي حديثها بالقول: "أمنيتي اليوم أن أقدم عملاً فيناً كبيراً يليق بالمرأة العراقية المتفردة في عطائها وحتى في خساراتها، وذلك رغم تقديمي الكثير من الأدوار المهمة مثل (زنوبيا) و(نساء في التاريخ)، ولكن ذلك لم يرض طموحي في تجسيد عذابات المرأة العراقية السرمدية".