بعد قمة بغداد، التي حاول العراق من خلالها إعادة التموضع في الخارطة السياسية العالمية، ينتظر العراقيون نتائج الانتخابات القادمة.
لقد كانت قمة جوار العراق محاولة ليمسك هذا البلد العربي الشقيق بلغة السلام والتصالح بين الجيران، ونقطة تحول منشودة للتعاون والشراكة لدعم العراق، لينجو بنفسه بعيدًا عن التدخلات الخارجية والإقليمية، لا سيما والمنطقة تشهد حراكا سياسيا في غاية الأهمية مع عودة حركة "طالبان" إلى حكم أفغانستان، إذ يتخوف كثيرون من أن يلقى العراق نصيب أفغانستان من الفوضى، حتى وإن صرحت واشنطن بأن أفغانستان ليست العراق، وأنها باقية في بغداد وستواصل تدريب القوات العراقية، مؤكدة دعمها لعراق قوي ومستقر ومزدهر.
لكن الضغوط الإيرانية المكثفة والمعلنة بأن خروج الأمريكان حتمي لتمرير أي صفقة أو اتفاق نووي قادم، فإخراج القوات الأمريكية من العراق غاية إيرانية أولا، تتماشى مع رغبة الإدارة الأمريكية في سحب جنودها وقواعدها من المنطقة، وهو ما يخيف العراقيين، الذين يأملون على الأقل ألا تتخذ إدارة "بايدن" قرارا مفاجئًا بالانسحاب، لضمان عدم حدوث فوضى مثل التي خلفتها في أفغانستان.
ونلفت هنا إلى غياب وزير الخارجية الأمريكي عن قمة بغداد، ما يشير ربما إلى عدم وجود العراق ومستقبله على أجندة الاهتمام الأمريكي في هذه الفترة، وربما ليبقى رهن الهيمنة الإيرانية، التي تتجاوز سيادة العراق عبر رعاية وتمويل المليشيات بالداخل.
ومع بدء العد التنازلي لها، يجب أن تستهدف الانتخابات العراقية المقبلة ترسيخ الديمقراطية وليس الطائفية والحزبية والمناطقية وتمكين المليشيات الولائية، فدعاية الانتخابات يجب أن تعتمد على إحداث التغيير، لكن التغيير المنشود والحقيقي لن يأتي من وجوه متكررة ومعروفة ومكشوفة، مع هيمنة الأحزاب الدينية والمليشيات المسلحة، التي تعيش الفساد والثراء الفاحش وتخدم مصالحها الخاصة، وترسخ السرقة والقتل والخيانة والتدمير وانتشار الأمية والمخدرات والفقر، وتضحك على الشعب بتصريحات رنانة تحت زعم حمايته من الإرهاب.
في العراق يتم صرف الملايين على أجهزة ومعدات إلكترونية من أجل ضبط "نزاهة" الانتخابات المبكرة القادمة، ورغم كل ذلك، تبقى بطاقة الاقتراع الخاصة بالناخب تحت رحمة التزوير والتلاعب، وربما السرقة كما حدث سابقا، فلا يكفي أن تكون الأجهزة نزيهة وذكية، بل يجب أن تكون النيّات كذلك أيضا، من هنا ظهرت مخاوف من التزوير واشتباك الأجنحة المسلحة للأحزاب، والتي كشف عنها مكتب رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، عبر "إحباط مخطط لتزوير الانتخابات من خلال شبكة يقودها مسؤولون"، بحسب بيان للحكومة العراقية ذكر أن "الأجهزة الأمنية تمكنت من تنفيذ عملية استباقية أحبطت مخططا لتزوير الانتخابات عبر الضغط على عدد من موظفي المفوضية، ويهدف المخطط لإثارة الفوضى المعلوماتية والسياسية في العراق، من خلال شبكة من مواقع التواصل الإلكترونية".
وأشار بيان الحكومة العراقية إلى أن أحد تلك المواقع حاول "الإيحاء بارتباطه بمكتب رئيس مجلس الوزراء، أو العاملين فيه، أو مستشاري رئيس مجلس الوزراء".
نعم، هناك من يرى أن قانون الانتخابات ونظام الدوائر المتعددة، الذي تم اعتماده في الانتخابات العراقية القادمة، ما زال يشوبه الغموض ويحمل كثيرا من الثغرات، إلا أن القرار النهائي لهذه الانتخابات سيكون بيد الشعب العراقي دون غيره، والذي عليه أن يمارس حقه في اختيار الأكثر نزاهة والأكفأ والأفضل ومن يستحق أن يمثله داخل البرلمان، فهذا هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يسلكه الشعب لإحداث التغيير في العراق، ليخطو إلى الأمام عبر الصناديق الانتخابية نحو مستقبل زاهر، في ظل وضع البلاد المؤلم.
ولا شك أن ما أعلنته لجنة النقل والمنافذ الحدودية والمواني بين العراق والسعودية حول تفاصيل اتفاقية النقل البحري، والتي انبثقت عن مجلس التنسيق السعودي العراقي لتعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين، إنما هو لخلق كثير من الفرص والانفتاح والتطورات الإيجابية سياسياً واقتصادياً، ويؤكد رغبة وطموح العراق في أن يصبح لاعبًا إقليميًا، ولن يتم له ذلك ما لم يتخلص من تبعات فقدان الأمن وهيمنة المليشيات، التي تثقل كاهله، لذا ليس أمام العراق سوى تطبيق مبادئ قمة بغداد للوصول إلى شراكة أمنية وسياسية واقتصادية فعالة مع كل الدول.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة