على الرغم من هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي عام 2017، فإنه لا يزال يشكل تهديدا قويا للحكومة العراقية.
إذ سعى التنظيم، منذ ذلك الحين، إلى تغيير استراتيجيته في العمل، متجها إلى إعادة تشكيل فلوله وتفعيل الخلايا النائمة.
وقد أشارت كل من الولايات المتحدة وفرنسا، عبر خبرائهما، إلى عودة هذا التنظيم من جديد، وأكبر دليل على ذلك الهجمات التي نفذها ضد القوات العراقية والمنشآت النفطية مؤخرًا.
هكذا يستيقظ العراق على كابوس "داعش"، وكأن التاريخ يعيد نفسه، فنرى عمليات قتل لأفراد متعاونين مع قوات الأمن العراقية والكردية مؤخرًا في عدد من محافظات أربيل والموصل وديالى وغيرها.
وشهدت الأشهر القليلة الماضية أكثر من 25 هجومًا دمويًا، إضافة إلى ضبط مواد متفجرة بكميات كبيرة، وأكد "داعش" حضوره الميداني في مناطق غرب وشمال العراق منذ بداية العام الجاري، مُستغلا حالات التصارع السياسي-الاجتماعي، سواء بين الأحزاب الدينية الحاكمة أو في المناطق المتنازع عليها طائفياً وقومياً، الأمر الذي أدى إلى استمرار التوتر الأمني رغم مرور أربعة أعوام على تحرير تلك المناطق.
إن ظاهرة عودة "داعش" إلى المشهد ليست غريبة ولا عجيبة، فقد بدت مؤشرات عديدة لتناميه على الصعيد الميدانيـ، لذا لا بد لنا من طرح بعض التساؤلات المنطقية:
هل سبب عودة "داعش" انسحاب قوات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة؟ أم ضعف الحكومة العراقية؟ أم علاقاتها المضطربة مع كردستان؟ أم انقسام الأحزاب الدينية الحاكمة؟ أم هذه كلها أسباب مجتمعة لعودة التنظيم الإرهابي للنشاط؟
يبدو أن تنظيم "داعش" استطاع أن يعيد ترتيب صفوفه ويصل بضرباته إلى ضواحي العاصمة، بغداد.. وهناك أنباء عن أن تعداد عناصره بلغ 10 آلاف فرد، حسب تقدير الخبراء ومراكز الأبحاث المتخصصة، بل هناك ما هو أكثر من ذلك، إذ لا يزال التنظيم قادرًا على تجنيد المزيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.
أين يكمن الخلل؟، هل في الحاجة إلى إعادة النظر في تسليح الجيش العراقي رغم الإنفاق الهائل عليه؟
في الواقع، فإن الجيش العراقي ليس الجيش الذي تم تفكيك كوادره وخبرائه بحجة انتمائه إلى حزب البعث، بل هو عبارة عن تجمعات غير احترافية في معظمه، تم تشكيله من المدنيين والمليشيات، التي تكونت بعد الغزو عام 2003، لذا فهو غير قادر على أداء مهامه على الوجه الصحيح في مواجهة "داعش".
ورأينا كيف قامت قوات "الحشد الشعبي" مقام هذا الجيش في كثير من المعارك ضد التنظيم الإرهابي كما هو معروف، إضافة إلى التوتر الأمني، وسوء الأوضاع المالية وعدم الاهتمام بالجيش، فعلى سبيل المثال، لا يزال الجيش العراقي يفتقر إلى قوات جوية، فوجودها به ما زال شكليًا.
لا شك أن التمزق، الذي يعانيه العراق مذهبيًا وعشائريًا وطائفيًا من شأنه أن يُضعف القوى التي تحارب هذا التنظيم الإرهابي، وفي مقدمته تفكك الأوضاع الاجتماعية والفساد المستشري في مفاصل الدولة، إضافة إلى البطالة، ومخيمات المهجرين وعدم الصدق في إعادتهم إلى مدنهم وقراهم وعدم القيام بإعمارها، بعد أن دُمرت في أثناء تحريرها مثل الموصل، وانعدام الكهرباء والخدمات الاجتماعية، لذلك من الطبيعي أن يجد "داعش" تربة خصبة وبيئة صالحة للانتشار، بل هي نفسها، التي نما فيها قبل القضاء عليه.
وكان من المفترض أن يتم تجفيف منابع الإرهاب بفتح المدارس ونشر التعليم والتنوير ومد تلك المناطق بالكهرباء والخدمات الحياتية، التي تؤدي إلى تجاوز أفكار الإرهاب، وهذا كله لم يحصل، فقوة السلاح وحدها لا يمكنها حل مثل هذه المعضلة التي تتعلق بالتربية والفكر.
إن تغيير آليات عمل تنظيم "داعش" في لجوئه إلى حرب العصابات أو ما نطلق عليه "الكر والفر"، ساعد على ظهوره وعمله من خلال كسب أفراد غاضبين على الحكومة محليًا، أما على الصعيد الدولي، فقد أعطى التوتر بين إيران وبين الولايات المتحدة فرصة لـ"داعش" لإعادة تنظيم صفوفه في ظروف مناسبة.
يبقى السبب الجوهري لصعود وانتشار فلول "داعش" على مساحة من الأراضي العراقية من جديد، ألا وهو عدم إزالة الظروف التي أدت إلى ظهوره.
وتكمن العلة أولا وأخيرًا في العملية السياسية، التي تم بناؤها على أسس الطائفية ونظام المكونات، الذي ابتدعته الولايات المتحدة، ما سهّل حدوث الانقسامات في المجتمع العراقي وتخلي الحكومة عن الهوية الوطنية العراقية وعدم انفتاح العراق على محيطه العربي، ما دفع بظهور هذا التنظيم والجماعات الإرهابية الأخرى إلى السطح من جديد في الوقت الحاضر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة