الحياة على هذه الأرض أصبحت مهددة، ومصادر التهديد متعددة، وأبرزها مشكلات البيئة والانفجار السكاني والطاقة.
ومشكلات البيئة لها أوجه عديدة، فالغلاف الجوي بحاجة إلى حمايته، وما انثقاب طبقة الأوزون إلا أحد وجوه هذه المعضلة، فالتقديرات تشير إلى أن مجموع سكان الأرض يطلقون يومياً 60 مليون طن غاز ثاني أكسيد الكربون، أي 20.1 مليار طن سنوياً إلى الغلاف الجوي.
والأرض كذلك بحاجة إلى حماية، فالأرض القابلة للزراعة أو الرعي مهددة بالتصحر والتملّح والزحف العمراني، بالإضافة إلى الخطر، الذي يهدد الكائنات الحية، غير البشرية، في الطبيعة، وانقراض العديد من أنواعها، كذلك تلوث مياه البحار والمحيطات وضرورة الحفاظ على مياه الشرب غير ملوثة.
إن تهديد البيئة يعني تهديد الحياة على الأرض، وقد أفضت الوقائع حول آفاق البشرية على المدى الطويل إلى نتائج مقلقة، ومع ذلك فإن الكرة الأرضية بأسرها موقع لأزمات تتلاحق بسرعة، وفي ذلك إشارة أكيدة إلى أن البشرية تمر بمنعطف من تطورها التاريخي، فما من شيء أشد إلحاحاً من أن نجابه بشجاعة وثقة التحدي، الذي يواجهنا، وأن نبحث فيه عن حلول بناءة بدلاً من أن نغمض أعيننا أمام الكوارث الطبيعية، فإذا اعتنقت البشرية في الوقت المناسب اتجاهات جديدة، فإنها قد توفر على نفسها صدمات رهيبة، إن لم نقل أخطر الصدمات.
وحينما نتناول موضوع الأزمات، لا سيما الجائحات المُمرضة والأوبئة الفتاكة والفيوضات من الأنهار والبحار والمحيطات، والحرائق القاتلة في الطبيعة، يتبين لنا أن هناك فجواتٍ مؤثرة على مستقبل الأرض، وتزداد كل واحدة منها اتساعاً على المركز السطحي لأزمات البشرية الحالية بين الإنسان وبين الطبيعة، وينبغي سد هذه الفجوات كي لا تتفاقم حدة الكوارث وأخطارها على البشرية.
والغابات، التي حلت محل الصحارى خلال التطورات الجغرافية للأرض، اكتسبت استقراراً تجاه التغيرات الداخلية والخارجية، التي يمكن أن تصيبها، فمثلاً تحفظ التوازن المثالي بين الأكسجين والغاز الكربوني في الهواء، كذلك تحتفظ بالماء وتمسك بالتربة ونباتاتها، وتحفظ خصوبة الغابة للأبد، كما تؤمّن حرارة محيطة ثابتة تقريباً للحيوانات البرية، التي تجد في داخلها ملجأ ومكاناً مثالياً لحياتها، وبالتالي تجعل البيئة ملائمة لحياة الإنسان.
لكن عمليات تهديم الغابات، التي يقوم بها الإنسان، تحطم التوازن الطبيعي وتؤدي إلى كوارث عديدة.
وقد أدت ظاهرة التغير المناخي بشكل حتمي إلى زيادة مخاطر اندلاع حرائق الغابات في أنحاء القارات كافة، حتى في المناطق غير المعرضة لحرائق الغابات عادة، كمناطق شمال ووسط أوروبا، ويُعد التغير المناخي عاملاً رئيسياً للحرائق، لكن التكيف مع التغيرات المناخية في البلدان المعرضة لخطر حرائق الغابات لم يصل بعد إلى القدر الكافي لمجابهتها ووقفها، وهو ما يجعل العالم يتوقع أن تزداد حالها سوءاً.
وقد أسهمت حالات الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة في حرائق الغابات، وسواء كان اندلاع الحرائق بشكل طبيعي، مثل صواعق البرق، أم عمداً من قبل مثيري حرائق الغابات، فإن الأخطار جسيمة.
وكما حصل في الجزائر، إذ حصدت الحرائق سبع عشرة ولاية وشكلت كارثة كبيرة، وطلبت الرئاسة الجزائرية من دول صديقة المساعدة في عمليات إطفائها، إلا أن دولاً أوروبية اعتذرت لانشغالها في حرائق اليونان وتركيا.
من ناحيتها، بادرت دولة الإمارات بتقديم المساعدات للعديد من دول العالم، التي اندلعت فيها كوارث طبيعية، بما فيها الحرائق، ولم تمر كارثة طبيعية في العالم إلا وتسرع الإمارات لإسعاف وإغاثة ضحاياها، حيث سجلت حضوراً دولياً فعالاً وسط الكوارث، التي شهدتها العديد من الدول والأقاليم.
وتعد الإمارات حجر الأساس في بناء المنظومة العالمية لمواجهة تداعيات الكوارث الطبيعية، وذلك بفضل مبادراتها الجريئة ونهجها الإنساني المتفرد، الذي يقوم على تقديم العون والإغاثة لمستحقيها دون تمييز لجنس أو عرق أو دين.
وبحلول الخامس من أغسطس/آب الماضي تجاوز حجم حرائق الغابات في أوروبا معدل حجم حرائق الغابات على مدار الإثني عشر عاماً الماضية بنسبة 55 بالمئة، وهذا السيناريو يتفاقم مع عدم تحديث أساليب إدارة الغابات، فلا يؤخذ في الحسبان طبعا ظاهرة الاحتباس الحراري عند تطبيق سياسات إخماد الحرائق الحالية، خاصة فيما يتعلق بقابلية الاشتعال في المناطق، التي يمتد فيها مسار الأراضي البرية، وأحيانا في المناطق الزراعية المهجورة، فضلاً عن التوسع العمراني والحضري.
وسياسات مكافحة حرائق الغابات الحالية في معظم المناطق تركز بشكل كبير على إخماد الحرائق، لكنها لم تتطور لتتكيف مع ظاهرة التغير المناخي العالمي.
سيعيد التغير المناخي تشكيل الحياة على الأرض في العقود المقبلة، وإنْ تمت السيطرة على التلوث الكربوني المُسبِّب للاحترار، فإنه لا بد من تغيير جذري لتجنيب الأجيال المقبلة مواجهة وضع أسوأ بكثير، ولعل الاختراق الأكبر هو ما يُعرف بدراسات الإسناد، التي تسمح لأول مرة للعلماء بتحديد سريع لمدى تكثيف التغير المناخي.
وقد تمكّن تجمع إسناد الأحوال الجوية العالمية بعد أيام قليلة من موجة الحر الشديدة، التي اجتاحت كندا وغرب الولايات المتحدة، من التوصل حسابياً إلى أن حدوثها كان أمراً مستحيلاً تقريباً لولا الاحترار، الذي سبّبه الإنسان، فيما تعرّضت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، التي تأسست عام 1988م لتوفير معلومات ضرورية للمفاوضات المرتبطة بالمناخ في الأمم المتحدة، إلى انتقادات من قبل بعض الجهات، التي اعتبرت أنها قلّلت من أهمية الخطر، بهدف البقاء في الجانب الأقل دراماتيكية للأحداث.
ويتعيّن خفض انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم بنسبة 50 في المئة بحلول عام 2030م وأن تنتهي تماماً بحلول 2050م لتبقى درجة حرارة الأرض ضمن نطاق 1.5 درجة مئوية.
لقد شهدت الكرة الأرضية اليوم تغييرات وظروف مناخية مميتة، فهل خرجت أزمة المناخ عن السيطرة؟
في هذا السياق، قال خبير المناخ روبرت فاوتارد، في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ: "لدينا اليوم نماذج أفضل للتوقعات المناخية، وعمليات رصد أطول مع مؤشر أوضح بكثير على التغير المناخي".
إجمالاً.. لا يمكن مواجهة الظروف المناخية المميتة إلا بشرط واحد، وهو الاعتراف بأن العالم أسرة عالمية واحدة، والقبول بحدود الكرة الأرضية، وإلا ستجد البشرية نفسها بين عشية وضحاها في مواجهة أزمات متفاقمة عديدة ومتلاحقة لم يسبق لها مثيل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة