مضى نحو شهر على مقتل زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي، أبو إبراهيم القرشي.
وإلى الآن لم يعلن التنظيم رسميا عن مقتله، كما لم ينْفِه، ومع أن التنظيم لا يتأخر عادة عن إعلان اسم الزعيم الجديد، كما حصل خلال مقتل زعيمه السابق، "أبو بكر البغدادي"، عام 2019، إذ وقتها لم تستغرق عملية تعيين "القرشي" خلفا لـ"البغدادي" سوى خمسة أيام، ولعل هذا التأخير في الإعلان عن مقتل "القرشي" وتعيين خلفه، وجّه الأنظار إلى الأسباب، فيما إذا دخل التنظيم فعلا في أزمة حقيقية على مستوى الهيكلية القيادية والتنظيمية، لا سيما أن التقارير تشير إلى أنه بمقتل "القرشي" بات التنظيم دون الجيل المؤسس، حيث قُتل معظم قادة الجيل الأول، أو اختفوا في ظروف غير معروفة، وعليه، يطرح مقتل "القرشي" تساؤلاتٍ كثيرة عن مستقبل التنظيم في المرحلة المقبلة.
في الواقع، الحديث عن دخول التنظيم في أزمة وجودية تتعلق بمستقبله له علاقة بسلسلة الضربات القوية، التي تلقاها خلال السنوات الماضية، فمن هزيمته في الموصل العراقية، ثم في الباغوز السورية، مرورا بمقتل زعيمه السابق، وأحداث سجن الحَسَكة، وصولا إلى مقتل "القرشي"، هذه الضربات مجتمعة أضعفت قوة التنظيم، وأفقدته تماسكه، وأدخلته في أزمة تنظيمية وعقائدية وقيادية، خاصة أن إمكانات التنظيم المالية قلّت، كما أنه بات يفتقد إلى قيادات الصف الأول، فضلا عن المعطيات، التي تشير إلى تمكُّن التحالف الدولي من اختراق دائرة قيادة "داعش"، وذلك بعد اعتقال عدد من قادته المهمين، وما مقتل "البغدادي" و"القرشي" إلا نتيجة جهد استخباراتي بالدرجة الأولى، وهو ما يشير إلى أن التنظيم قد يتأخر في اختيار زعيمه الجديد، خاصة أن التواصل بين قياداته بات صعبا، في ظل تجنب التنظيم الإرهابي استخدام وسائل التواصل المباشرة، إلى جانب صعوبة الانتقال الشخصي، وإيصال الرسائل، سواء شفهيا أو كتابيا، لكن كل ما سبق لا ينفي حقيقة إصرار التنظيم على البقاء ومحاولة العودة، وهو ما يطرح السيناريوهات المستقبلية عن الأشكال التنظيمية لـ"داعش"، حيث يمكن القول إن التنظيم بات أمام ثلاثة سيناريوهات، وهي:
1-سيناريو استمرار المركزية: ويتلخص في اختيار التنظيم قائد جديد له خلفا لـ"القرشي" بعد ترتيب بيته الداخلي، ومحاولة الاستمرار في المركزية، ولعل شنه عمليات في العراق وسوريا بصورة متزامنة يؤكد عزمه الاستمرار في نهجه السابق، رغم صعوبة ذلك.
2-سيناريو العمل بنظام الولايات: أي التخلي عن المركزية، وثمة من يرجّح هذا السيناريو في ظل الملاحقة المستمرة للتحالف الدولي لقادة التنظيم، إذ إن مثل هذا السيناريو يصعّب من مهمة ملاحقة قادة التنظيم ونشاطه، رغم أنه يُضعفه، خاصة لجهة قدرته على القيام بهجمات كبيرة.
3-سيناريو الانفصال والتفكك: ويتلخص في أن يتحول التنظيم إلى فروع منفصلة في كل دولة، وينبثق هذا الاعتقاد من أن التنظيم بات منتشرا بشكل كبير خارج جغرافيته الأساسية، أي العراق وسوريا، خاصة امتداداته في آسيا وأفريقيا، وأن نشاطه في الخارج بات أقوى من حاضنته الأولية، وأن هذا الانتشار كفيل بتقسيم التنظيم إلى تنظيمات عدة، تعمل بشكل منفصل، وبأسماء جديدة تبعا للظرفية والمكانية.
في انتظار وضوح ملامح تنظيم "داعش" الإرهابي خلال مرحلة ما بعد "القرشي"، تبقى مهمة نجاح محاربة الإرهاب والتطرف عموما، مرهونة بعوامل مترابطة ومتداخلة، منها ما هو متعلق باستمرار حرب التحالف الدولي ضد "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية، ومنها ما هو متعلق بالتعاون الجماعي لمحاربة هذه التنظيمات، ومنها ما هو متعلق بالبرامج الوطنية والمحلية لمحاربة التطرف والعوامل الموضوعية التي تساعده، وعلى رأسها بيئة التنمية والحد من الفقر والأمية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، وفي هذا الصدد، لا يُعقل بقاء عشرات آلاف من الدواعش وعائلاتهم في السجون والمخيمات شرق الفرات بسوريا إلى ما لا نهاية، كما لا يُعقل استمرار تهرب المجتمع الدولي من مسؤولياته الأخلاقية والقانونية إزاء مصير هؤلاء، فدون تحقيق هذه الخطوات وغيرها، سيبقى "داعش" -أو مَن على شاكلته- يسعى إلى الاستثمار في التطرف والإرهاب بحثا عن مشاريع أيديولوجية خارج العصر والتعايش بين الدول والشعوب ودفع الأمور نحو الاستقرار والحلول السياسية السلمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة