صفقة داعش-حزب الله.. تحالف الإرهاب لخدمة الطائفية
في الـ26 من أغسطس/آب الماضي، وقّع حزب الله اللبناني اتفاقًا فريدًا من نوعه مع تنظيم "داعش" الإرهابي.
"المصلحة أولًا".. كانت عنوانًا لصفقة إرهابيي داعش وحزب الله، الطرفين المتناحرين طوال الوقت رغم تشابه أهدافهما في بسط السيطرة على المدن السورية والعراقية، ومحو آثار الدولتين، والعمل على تغيير التركيبة السكانية للمدن وفقًا لرؤيتهما المتطرفة القائمة على الطائفية والإرهاب.
وفي الـ26 من أغسطس/آب الماضي، وقّع حزب الله اللبناني اتفاقًا غريباً مع تنظيم "داعش" الإرهابي، ينص على نقل قوافل من مسلحي داعش من الحدود اللبنانية-السورية إلى مدينة البوكمال السورية في ريف دير الزور الواقعة شرق سوريا ومشتركة مع الحدود السورية-العراقية.
الصفقة المتبادلة بين الطرفين نصت على انسحاب نحو 600 مسلح داعشي وعائلاتهم من القاع اللبنانية الواقعة على الحدود السورية-اللبنانية، مقابل إطلاق التنظيم الإرهابي سراح أسير من قوات حزب الله الإرهابي وجثة لمقاتل إيراني، وتحديد رفات 8 جنود لبنانين مختطفين في 2014.
التوقيت
إبرام الصفقة في هذا التوقيت مع هزائم داعش المتتالية بسوريا والعراق، وتحركات جيش النظام السوري في دير الزور، خلال هذه الفترة، ما مكنه من كسر الحصار الذي فرضه تنظيم "داعش" على المدينة السورية، منذ أكثر من عامين، حيث دارت اشتباكات مباشرة بين جيش النظام السوري والعناصر التابعة لداعش على بعد كيلومترات من المدنية نفسها، يشير إلى مطامع مباشرة بالمدينة.
ويمثل توقيت الصفقة بين الطرفين محاولة جديدة من التنظيم الإرهابي، الذي بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة عقب تحرير الموصل وتلعفر بالعراق وبنغازي في ليبيا واسترداد نحو 65 بالمئة من مساحة الرقة السورية خلال العام الحالي.
التنظيم، الذي فقد أكبر قادته في الغارات الجوية الأمريكية التي بدأت في استهداف معاقله بالمنطقة منذ مارس/آذار الماضي، لجأ إلى حزب الله الإرهابي الباحث عن فرصة لنشر نوازعه الطائفية ودعم المشروع الإيراني بشكل أوسع، لتتوافق المشاريع والرؤى في سبيل تحقيق مصالح مشتركة تقوم على التطرف.
مطامع الصفقة المشبوهة
تحديد مدينة الزور في الصفقة المشبوهة مأوى لعناصر داعش بحمل مؤشرات خطيرة للغاية، خاصة أن المدينة واقعة على الحدود السورية-اللبنانية، فضلًا عن كونها آخر المحافظات السورية تحت سيطرة داعش.
المدينة التي فرض داعش سيطرته عليها في منتصف 2014، تقع على بعد 450كم شمال شرق دمشق، يمر بداخلها نهر الفرات وقريبة من الحدود العراقية، ثاني أكبر المحافظات السورية من حيث المساحة حيث تمتد 33 ألف كم2، ويبلغ عدد سكانها مليونا و200 ألف نسمة وفقًا لتقديرات 2010.
وترجح بعض التحليلات السياسية إلى أن اختيار حزب الله وداعش لدير الزور يستهدف التعدد السكاني وتنوع الطائفيات والإثنيات في المدينة؛ حيث يمثل العرب السنة الأكثرية بداخلها، بجانب الأرمن والأكراد والعائلات السريانية والكلدانية، ورغم وقوعها تحت سطو الإرهاب، إلا أن دير الزور نجحت في الاحتفاظ بهذا التنوع بالتركيبة السكانية.
وتستهدف الصفقة ضرب هذه التركيبة السكانية وتغيير الديموجرافية السياسية وفقًا لأهوائهما ومصالحهما الشخصية، خاصة أن حزب الله يسعى دائمًا لتطبيق المشروع الإيراني بسوريا ولينان، وهو النهج نفسه الذي يسير عليه داعش في المدن العراقية والسورية منذ 2014.
وتتفاقم مطاعم داعش وحزب الله في دير الزور نظرًا لثروتها الطبيعة؛ حيث تمتلك حقولا نفطية كبيرة، وكذلك موقعها الذي يصلح لإقامة طرق إمدادات رئيسية جديدة بين العراق وسوريا، خاصة بعد أن قطعت القوات العراقية كل طرق الإمدادات بين الرقة والموصل وتلعفر.
الدعم الإيراني للصفقة
وتشير تصريحات المسؤولين الإيرانيين إلى مباركة نظام إيران الطائفي للصفقة المشبوهة؛ حيث وصف بهرام قاسمي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، اتفاق حزب الله وداعش بـ"الخطوة الإنسانية" قائلًا: "الحرب مع داعش تختلف كليًا عن قتل الأبرياء والناس العاديين".
وادعى قاسمي، محاصرة طائرات التحالف الدولي لقوافل داعش المكونة من النساء والأطفال المتنقلة بين ريف حمص ودير الزور، ملمحًا إلى حدوث كارثة إنسانية في هذه المنطقة، الأمر الذي يؤكد على إصرار إيران على افتعال مشكلة ونشر أكاذيب بشأن استهداف الولايات المتحدة لـ قوافل داعش المتجهة إلى دير الزور.
وفي الوقت نفسه، أكد التحالف الدولي في أكثر من مرة أن القوافل التي ضمت 17 حافلة، نقلت نحو 300 عنصر من عناصر داعش المسلحة، لذا شنت غارات جوية على القوافل لمنع وصولها لدير الزور.
مخاوف من عودة التنظيم
ومع استمرار حركة انتقال القوافل من لبنان إلى سوريا، تتصاعد المخاوف من عودة التنظيم الإرهابي مجددًا، وأشار وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج إلى خطورة "الصفقة المشبوهة" بين تنظيم "داعش" الإرهابي ومليشيا "حزب الله" اللبناني، قائلًا: "ما يفعله حزب الشيطان من جرائم سوف تنعكس آثاره على لبنان.. دماء العرب غالية".
وعبر صفحته الرسمية بموقع تويتر، أوضح الوزير السعودي أن الصفقة هي جريمة ولا تمت للعمل الإنساني بصلة كما ادعى أنصار حزب الله، موجهًا حديثه للبنانيين بضرورة توخي الحذر من ممارسات حزب الله. والتأكيد على أن الوطنية هي التي تبنى الدول وليست الطائفية.
وحذر سليم الجبوري رئيس مجلس النواب العراقي، من العودة إلى المربع صفر، وإدارة اتفاقات مشتركة بين الحكومة وحزب الله وداعش، منوهًا إلى أن أية اتفاقيات مشابهة مرفوضة تمامًا، تخوفًا من عودة داعش إلى المدن المحررة.
وفي الوقت نفسه، أبدت الحكومة العراقية تخوفها من عودة التنظيم الإرهابي مجددًا بالسيطرة على دير الزور ونقل عناصره المسلحة إلى المدينة، ونفى حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي علم حكومته بالاتفاق المبرم بين داعش وحزب الله، خاصة بعد أن نشرت إيران عبر وسائل إعلامها تأكيدا بأن الاتفاق بين الطرفين لم يكن عبثيًا، ولكن كان بعلم مسبق من حكومة بغداد، خاصة أن الاتفاق يسمح للتنظيم بالتواجد عبر الحدود السورية-العراقية.