عشية الجولة الجديدة لمفاوضات فيينا بشأن النووي الإيراني، تزايدت وتيرة الحديث في إسرائيل عن اللجوء إلى الخيار العسكري ضد المفاعلات النووية الإيرانية.
فرئيس الوزراء نيفتالي بينيت أعلن صراحة أن إسرائيل غير معنية بالموافقة على أي عودة محتملة للاتفاق النووي مع إيران، إذ إن لسان حال إسرائيل يقول إنه لا يمكن التعايش مع إيران نووية، وسط تحذيرات يومية من أنها لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، ولهذه الغاية خصصت الحكومة الإسرائيلية مليارا ونصف المليار دولار لإعداد القوات المسلحة لتنفيذ ضربة محتملة ضد مواقع نووية إيرانية.
في الحديث عن اتفاق نووي مع إيران، سواء بصيغة اتفاق عام 2015 أو اتفاق جديد، ثمة تساؤلات كثيرة عن الخيار العسكري الذي تلوح به إسرائيل، أسئلة من نوع: هل فعلا أصبح الخيار العسكري ضد إيران على الطاولة؟ ومتى موعد الضربة؟ والسؤال الأهم: أين تقف الولايات المتحدة من هذا الخيار الإسرائيلي؟
في الواقع، مع تسارع وتيرة إيران لتخصيب اليورانيوم، وإعلانها إنتاج 25 كيلوجراما من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء ٦٠٪، وفشل المفاوضات بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران، تقول إسرائيل إن إيران باتت قريبة من إنتاج سلاح نووي، ومن شأن امتلاكها هذه الأسلحة قلب المفاهيم العسكرية التي اعتمدتها إسرائيل طوال العقود الماضية "التفوق - القدرة على شن الحرب الوقائية - خوض الحرب على أرض العدو.. إلخ" رأسا على عقب، وتهديد أمن إسرائيل والمنطقة، وهو ما لن تقبل به إسرائيل، حتى لو أدى خيارها العسكري ضد إيران إلى خلافات حقيقية مع الإدارة الأمريكية، وعليه ترى إسرائيل أنه لم يعد هناك غير خيار الضربة العسكرية لقطع الطريق أمام إيران نووية.
بانتظار نتائج مفاوضات فيينا، فإن مساحة الاشتباك الإسرائيلي-الإيراني في تزايد، خاصة أن التهديدات المتبادلة بين الجانبين الإسرائيلي والإيراني، تحولت في الأشهر الأخيرة إلى عمليات وهجمات عسكرية بحرية هنا وهناك، وإلى هجمات سيبرانية متبادلة مستمرة تطال المؤسسات الأساسية، فضلا عن تزايد وتيرة القصف الإسرائيلي للوجود العسكري الإيراني في سوريا، وهي كلها مؤشرات توحي بأن الخيار العسكري الإسرائيلي ضد المفاعلات النووية الإيرانية بشكل مباشر باتت احتمالا واقعيا.
في الواقع، بغض النظر عن القناعة بمدى قدرة الخيار العسكري الإسرائيلي على تدمير مفاعلات إيران النووية، ثمة خشية رهيبة من تداعيات هذا الخيار على إسرائيل، إذا ما علمنا أن إيران قادرة على تحريك أذرعها في المنطقة، ولا سيما "حزب الله" الذي يهدد بإطلاق آلاف الصواريخ ضد إسرائيل، ولعل هذا ما يدفع بالأخيرة إلى التهديد بتوجية بضربة فولاذية مدمرة ضد "حزب الله"، وهو ما يوجه الأنظار إلى الموقف الأمريكي حال نشوب الخيار العسكري، على نحو: هل ستبقى واشنطن متفرجة دون تأمين تغطية عسكرية لإسرائيل؟
دون شك، المقاربة الإسرائيلية للملف النووي الإيراني تتجاوز مقاربة الرئيس الأمريكي جو بايدن في اعتماده الدبلوماسية والعقوبات والحشد الدولي ضد إيران، إلى القناعة الكاملة بأن إيران بعد أن دخلت مسألة الحسم النووي لن تتراجع عن خيارها النووي، وبالتالي لا بد من تدميره قبل أن تصبح إيران دولة تمتلك السلاح النووي بحكم أمر الواقع، وهنا ترى إسرائيل أنها أصبحت أمام تهديد وجودي، وعليه ثمة قناعة إسرائيلية عميقة بأن التأخير لم يعد ممكنا لجهة الحسم بالملف النووي الإيراني، وهذه معادلة ربما تدفع "بينيت" إلى حسم هذا الجدل والخيار، خاصة أنه ثمة قناعة إسرائيلية بأن الزمن لم يعد لصالح إسرائيل بل لصالح النووي الإيراني، وأن الأسلوب الأمريكي في المفاوضات لن يؤدي إلى نتيجة في ظل الشروط التعجيزية لإيران في المفاوضات للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، ومن كل ما سبق، فإن السؤال الأساسي الذي يناقَش في إسرائيل، هو عن موعد الضربة العسكرية وتداعياتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة