تم الإعلان عن إطلاق ملايين البراميل من احتياطي النفط الاستراتيجي في أمريكا والصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة.
وكان تردد الأقاويل حول هذا الأمر قد أدى إلى انخفاض أسعار النفط خلال الأسابيع الماضية.
وقد أتت فكرة إطلاق جزء من الاحتياطي الاستراتيجي للنفط من "البيت الأبيض"، الذي كان يبحث عن طريقة لكبح جماح ارتفاع أسعار الوقود، وسط ارتفاع عام في معدلات التضخم.
وطبقا للتقارير المتداولة، فإن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تواصل مع حكومات الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، ليقترح عليها إطلاق جزء من احتياطاتها الاستراتيجية من النفط بشكل مشترك.
وكما تذكر بعض التقارير، فإن احتمالات الإطلاق المنسق للنفط كانت ضعيفة، ولكن بعد ذلك أعلنت الصين أنها تحضّر لجولة جديدة من العطاءات لتقديم النفط الخام من احتياطاتها الاستراتيجية.
ثم تلا ذلك إعلان اليابان أنها وجدت طريقة لإطلاق النفط الخام من احتياطاتها بشكل قانوني.
وكانت اليابان تواجه مشكلة مع مدى مشروعية هذه الخطوة مع الاشتراطات القانونية بأنه يمكن فقط إطلاق الاحتياطي النفطي الاستراتيجي في وقت انخفاض الإمدادات لأسباب جيوسياسية أو في حالة الكوارث الطبيعية، ولا يعد أي من هذين الشرطين متحققا حاليا.
على أي حال، فقد وجدت اليابان "تخريجة" للسحب من مخزونها، فشرعية هذا السحب تكمن في حال إذا كان قد تم تكوينه من فائض العرض.
وكانت الهند في البداية ضد هذا التحرك، قائلة إنه لن يكون له الأثر المطلوب، ولكن طبقا لبعض التقارير، التي صدرت في وقت لاحق، فإن الهند بدأت في مناقشة توقيت السحب من المخزونات والتنسيق مع كبار المستهلكين الآخرين.
وأعلنت الولايات المتحدة، الثلاثاء الماضي، عن إطلاقها كمية معتبرة من احتياطيها الاستراتيجي من النفط الخام تبلغ مقدارها 50 مليون برميل، وذلك على أشهر عدة، طبقا لبيان صحفي صادر عن "البيت الأبيض"، وتشمل هذه الكمية 32 مليون برميل كسحب جديد من المخزون، إضافة إلى 18 مليون برميل كان متفقا على بيعها من الاحتياطي الاستراتيجي، وفقا لخطة سابقة وافق عليها الكونجرس.
ووفقا لبعض المراقبين، فإن الكمية المعلن عن إطلاقها من الاحتياطي الاستراتيجي تعد كبيرة، ومع الوضع في الاعتبار الكميات الأخرى من باقي المستهلكين الكبار، فإن السوق ستتلقى كمية ضخمة من النفط.
ومع الأخذ في الاعتبار القيود التي قد يفرضها "كوفيد-19" خلال فصل الشتاء، وهو ما ينعكس في شكل انخفاض في الطلب، فربما يؤدي ذلك إلى إقناع "أوبك+" بالتوقف عن زيادة العرض، المقررة شهريا بمقدار 400 ألف برميل.
وكانت الأنباء عن إطلاق جزء من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي قد أدت إلى عمليات بيع متعجّلة من قبل العديد من الجهات المتاجرة في النفط، ما أدى إلى انخفاض الأسعار خلال الأسابيع الماضية، خاصة مع القلق بشأن مستوى الطلب في بعض مناطق العالم، مثل أوروبا، التي تصاعدت فيها الإصابة بفيروس كورونا، حتى في بلدان تُعد معدلات التلقيح بها مرتفعة، مثل الدنمارك.
ويبقى من التساؤلات المطروحة في السوق حاليا، هذا التساؤل حول كمية النفط الخام، التي ستطلقها كل دولة من مخزونها الاستراتيجي، فإلى جانب 50 مليون برميل من الولايات المتحدة، لا يوجد سوى تعهُّد الهند بإطلاق 5 ملايين برميل من احتياطاتها الاستراتيجية، ولم تعلن الصين حتى الآن عن الكمية التي ستطلقها، وإن كانت حاولت منفردة خلال الشهر الماضي سحب 7 ملايين برميل من الاحتياطي الاستراتيجي كما أعلنت وقتها.
كما لم تعلن كل من اليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة عن الكميات، التي ستقوم بسحبها من احتياطاتها.
ومن التساؤلات المطروحة أيضا إذا ما كان هناك بلدان أخرى من الدول المستهلكة ستستجيب لطلب الولايات المتحدة بالتدخل المنسق في الأسواق.
والواقع أن هناك قيودا قانونية لاستخدام الاحتياطي الاستراتيجي بهذا الشكل في العديد من البلدان الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية.
فعند الإعلان عن تكوين هذا الاحتياطي الاستراتيجي في الدول المكونة لوكالة الطاقة الدولية، التي تم تشكيلها عقب فرض حظر النفط العربي على بعض البلدان في أثناء حرب أكتوبر عام 1973، كان من شروط استخدام هذا الاحتياطي بشكل منسق حدوث تطورات جيوسياسية تخص مدى أمن وانتظام تدفق النفط، والشرط الثاني هو حدوث كوارث طبيعية.
ورغم أن الولايات المتحدة لم تحترم في بعض الأحيان هذين الشرطين واستخدمت النفط لأغراض سياسية داخلية محضة، مثل محاولة تخفيض أسعار النفط بالسحب من الاحتياطي الاستراتيجي بقرار من الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون عام 2000 في محاولة للتأثير على نتيجة الانتخابات بين بوش الابن ومنافسه في ذلك الوقت آل جور، فإن بقية البلدان، أعضاء وكالة الطاقة الدولية، لم تستخدم النفط بمثل هذه الطريقة.
ومن بين البلدان، التي أعلنت تبنّيها الاقتراح الأمريكي، بلدان ليست أعضاء في وكالة الطاقة الدولية، وتمتلك حرية كبيرة في السحب من مخزوناتها، مثل الصين والهند.
يؤكد عدد من المراقبين أن تحالف "أوبك" قد يوقف مؤقتا خطته بزيادة العرض 400 ألف برميل يوميا.. ويعني هذا عمليا أن تحالف "أوبك+" سينزع من السوق 12 مليون برميل شهريا كان من المنتظر زيادتها، وبالتالي فالسؤال المطروح هو عن الفترة الزمنية، التي ستستغرقها خطة السحب من المخزون حتى يمكن حساب الأثر الفعلي على الأسواق.
وما تنتظره الأسواق هو في الواقع حصيلة كل التطورات، التي قد تحدث وتأثيرها المحتمل على الأسعار، فبين السحب من المخزون الاستراتيجي لبعض البلدان، وربما الرد عليها بعدم زيادة العرض من قبل "أوبك+"، تأتي أيضا احتمالات انخفاض الطلب نتيجة تفجر الجائحة مرة أخرى في بعض البلدان المستهلكة، لا سيما أوروبا.
وكانت بعض الجهات في "أوبك+" قد أعلنت عن توقعها حدوث فائض عرض خلال الربع الأول من العام المقبل، ودون شك، فإن السحب من المخزونات يضيف المزيد من الفائض في العرض، وهنا قد تشهد الأسعار انخفاضا ملموسا، فهل في هذه الحالة سيكتفي تحالف "أوبك+" بعدم تزويد السوق بـ400 ألف برميل يوميا إضافية؟ أم سيكون له رأي آخر؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة