مع حلول الجمعة السوداء، التي تشهد خفض أسعار السلع في السوق الأمريكية وغيرها من أسواق العالم تحفيزا على الشراء، مالت أسعار النفط لانخفاض كبير.
فقد شهد سعر برميل نفط برنت الخام انخفاضا بأكثر من عشرة دولارات أو ما يقرب من 12%.
وقد صدم هذا الانهيار السعري يوم الجمعة السوداء سوق النفط، ما أدى إلى تدمير الشعور المتفائل بارتفاع الأسعار، الذي ظل يتراكم على مدى شهر نوفمبر.
وبينما تعافت أسعار النفط بعض الشيء يوم الاثنين، انخفضت مجددا يومي الثلاثاء والأربعاء مع كثافة الشعور بعدم اليقين، فالقلق من الانتشار السريع لمتحور أوميكرون عزز المخاوف من حدوث انخفاض شديد في الطلب.
ومع هذه الانخفاضات وصل سعر برميل برنت إلى أقل من 70 دولارا للبرميل، وانخفضت الأسعار بأكثر من 20% خلال شهر نوفمبر، ما يعد أسوأ انخفاض شهري في الأسعار منذ مارس من العام الماضي مع بداية تفشي الجائحة.
وكان وراء عودة الأسعار للانخفاض بعد ارتفاعها يوم الاثنين تصريح الرئيس التنفيذي لشركة موديرنا للأدوية لصحيفة "فايننشال تايمز"، بأن اللقاحات المتوافرة حاليا "ربما تشهد إخفاقا في مواجهة المتحور أوميكرون".. هذا على الرغم من أن مصادر في شركة "فايزر" صرحت في اليوم ذاته بأن لقاحها "من المحتمل أن يعمل مع المتحور أوميكرون".
ومع ذلك، وأخذا في الاعتبار أننا لا نزال في الأيام الأولى من البحث عن خصائص أوميكرون، فإن عدم اليقين يسيطر على الأسواق كافة، بما في ذلك بالطبع سوق النفط.
وذكر بنك "ساكسو" في مذكرة يوم الثلاثاء الماضي أن "أسعار خام برنت تتجه إلى أكبر خسارة شهرية منذ مارس 2020"، ويتم التعامل في الخام لأول مرة عند مستويات تقل عن المتوسط المتحرك للسعر في 200 يوم لأول مرة خلال عام، وهي إشارة إلى أن المزيد من الانخفاض في السعر ربما لا يزال منتظرا، وهو ما قد يدفع "أوبك+" إلى التوقف عن تزويد السوق بالكمية المتفق على زيادتها شهريا في الإنتاج، والتي تقدر بـ400 ألف برميل، أو ربما حتى يتجه التحالف نحو خفض مؤقت في الإنتاج.
وقد اتجه تحالف "أوبك+" إلى تأجيل اجتماع لجنته الفنية من يوم الإثنين إلى يوم الأربعاء لإتاحة الوقت لمزيد من الدراسة وتقدير الأثر المحتمل لمتحور أوميكرون على الطلب على النفط.
ومع هذا الانخفاض الشديد في الأسعار، ذهب البعض إلى أن الولايات المتحدة ودولا أخرى شملت الصين والهند واليابان والمملكة المتحدة –التي اتفقت على إطلاق كميات كبيرة من مخزون النفط الاستراتيجي لديها- قد تتجه إلى إيقاف العمل بهذا الاستخدام للاحتياطي، إلا أن العديد من المصادر نفت مثل هذا الاحتمال وقالت إن السحب من الاحتياطي الاستراتيجي سيستمر.
والواقع أن شعبية الرئيس جو بايدن انخفضت نتيجة لارتفاع أسعار البنزين، إلى جانب عوامل أخرى، لذا كان إصرار "بايدن" على معالجة الأمر إما بمحاول الضغط على تحالف أوبك+ لزيادة الإنتاج، وإما بمحاولة الضغط على المنتجين الأمريكيين وطلب التحقيق مع أركان الصناعة، لرؤية ما إذا كانوا يستغلون المستهلكين ويتربحون من ارتفاع أسعار البنزين بأكثر مما تقتضيه التكلفة.
الواقع أن قضية هذا التضخيم في ارتفاع سعر النفط تتقلص وتبدو أكثر واقعية، خاصة إذا ما وضع الارتفاع في أسعار النفط في نظرة مقارنة مع أصول أخرى وسلع أخرى.
فقد ذكر بنك "جي بي مورجان تشيز" أن أسعار النفط حتى عند 80 دولارا للبرميل تعد منخفضة مقارنة بالأسعار المرتفعة للأصول الأخرى، التي تتضمن الأسهم والسلع الأخرى.
وعلى الرغم من حقيقة أن الدول المستهلكة للنفط ترى أن أسعار النفط مرتفعة للغاية وتعيق التعافي الاقتصادي العالمي، فطبقا لواحد من المقاييس التي استخدمها "جي بي مورجان تشيز" لمقارنة أسعار الأصول، ثبت أن أسعار النفط رخيصة جدا، إذ كما يذكر البنك: "نسبة إلى مستويات عامة لأسعار مختلف الأصول ونسبة إلى القاعدة النقدية، تبدو أسعار النفط رخيصة بشكل ملحوظ".
وأسعار النفط تعد منخفضة مقارنة بالمستويات التاريخية، وذلك على العكس من الأسهم، والسندات، وبعض السلع الأخرى، التي إما حققت مستويات قياسية مرتفعة أو كانت قريبة منها.
ويقول بنك "جي بي مورجان" إن المستويات التاريخية لأسعار النفط كانت تعني أن يدور سعر برميل النفط الآن حول 115 دولارا وليس 80 دولارا، ولا يعني هذا أن البنك يشير إلى هذا السعر كهدف أو توقع له لما ستذهب إليه أسعار النفط، فقد تم استخدام مقياس واحد فقط لتحليل أسعار مختلف الأصول، ولكن يمكن القول إنه رغم أن أسعار النفط كانت أقل من مستوياتها التاريخية، فإن الأسهم لم تكن كذلك، إذ كان يتم تداولها عند مستويات قياسية تاريخيا خلال الفترة الأخيرة.
وعلى سبيل المثال، فإنه عقب اختيار الرئيس جو بايدن لـ"جيروم باول" كرئيس للاحتياطي الفيدرالي لفترة ثانية، حققت أسعار الأسهم وفقا لمؤشرَي "ناسداك" و"ستاندرد آند بورز 500" مستويات قياسية مرتفعة.
وتتجه الأنظار كلها حاليا إلى القرار الذي سيتخذه تحالف أوبك+ يوم الخميس، ولما كنا نكتب هذا المقال قبل هذا اليوم، فإننا نود الإشارة إلى أن أغلب المحللين يميلون إلى أن أوبك+ سيتخذ قرارا بإيقاف العمل بزيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل شهريا في يناير المقبل.
وبينما يرى البعض أن التحالف قد يقرر خفض مستوى الإنتاج بشكل مؤقت، فإن هذا لا يمثل سوى رأي أقلية، وتذهب بعض التقديرات إلى أن مستوى فائض العرض قد يبلغ أكثر من 3 ملايين برميل يوميا في شهر يناير المقبل، ما يعني أن الأسعار من المحتمل أن تتعرض لضغوط كبيرة خلال الربع الأول من العام المقبل، علاوة على الضغوط التي تعانيها حاليا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة