إسرائيل في 3 أشهر من عمر حرب غزة.. أهداف معلقة وتكلفة خيالية
صعوبات وتحديات وتكلفة باهظة جلبتها حرب غزة لإسرائيل في غضون ثلاثة أشهر من عمر قتال تشكك التقديرات في تحقيق أهدافه.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية وفي تقرير لها طالعته "العين الإخبارية"، قالت إن الحرب في غزة جلبت تحديات وصعوبات لم يسبق لها مثيل في إسرائيل، لا سيما مع تبخر المجتمعات المحلية، ورغبة جنود الاحتياط في العودة إلى ديارهم، وممارسة العالم لضغوط هائلة للتخفيف من الخسائر في صفوف المدنيين في القطاع، وتعرض الاقتصاد لضربة تلو أخرى.
وتشير الصحيفة إلى أن إسرائيل تمر الآن بواحدة من أهم حروبها منذ تأسيسها، حيث تبدو آثارها ظاهرة بوضوح في كل مناحي الحياة، سواء الأمن الشخصي، أو التوقعات الاقتصادية، أو المجتمع ككل، وغير ذلك الكثير.
وأمام هذا الواقع سلطت "يديعوت أحرونوت" الضوء على المشهد في أعقاب هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما الذي حققته إسرائيل منذ ذلك الوقت، وما هو الثمن الذي دفعته.
الأهداف العسكرية
في حين أقرّت الصحيفة بأن المناورات التكتيكية داخل غزة، والتي بدأت في أواخر أكتوبر، تستلزم أكثر من بضع علامات اختيار، لفتت إلى أنه لم يُترجم أي منها إلى شطب أي أهداف حربية من القائمة، وفي مقدمتها تفكيك حركة حماس كهيئة حاكمة في غزة واستعادة الرهائن.
وفي هذه الجزئية، قالت: "هذه المرة، وصل الجيش الإسرائيلي إلى أماكن في غزة لم يتمكن من الوصول إليها حتى في السنوات التي سبقت عام 2005 عندما غادرت إسرائيل القطاع بالكامل، بما في ذلك جباليا (شمالا) ومدينة خان يونس (جنوبا)".
ولهذا السبب-تضيف الصحيفة- فإن آراء الجيش الإسرائيلي متباينة. وهو عامل مساهم رئيسي في الضغوط التي دفعت حماس إلى الموافقة على الجولة الأولى من إطلاق سراح الرهائن التي امتدت على مدى خمسة أيام قبل شهر ونصف.
ولكن منذ ذلك الحين، لم يتم إجراء أي مفاوضات ذات معنى بشأن جولة أخرى من عمليات تبادل الرهائن والسجناء. في حين يعتقد الجيش أن العديد من الرهائن ما زالوا محتجزين تحت الأرض.
والهدف الآخر الذي لا يزال بعيد المنال- وفق يديعوت أحرونوت- هو قتل كبار قادة حماس. وفي حين أن قادة الفرق والكتائب لقوا حتفهم، فإن من سمتهم "الصفوة"وهم يحيى السنوار ومروان عيسى ومحمد ضيف، لا يزالون طلقاء.
وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن الثلاثة يختبئون تحت الأرض في مكان ما في وسط أو جنوب غزة.
وتشير الصحيفة إلى أن هدف السيطرة العسكرية على شمال غزة أصبح على وشك الاكتمال. ففي كل يوم، يتم العثور على كميات كبيرة من ذخائر حماس بين حقول الزيتون والمنازل المدمرة، ولا يزال العشرات من المسلحين يتسللون داخل الأنفاق ويخرجون منها متى شاءوا.
جنود الاحتياط
أزمة أخرى خلقتها الحرب، وهي جنود الاحتياط الذين عادوا إلى ديارهم بعد ثلاثة أشهر من عملية الانتشار الأكثر كثافة في حياتهم.
وحول هذا الموضوع، أشارت الصحيفة إلى أن العديد من هؤلاء الجنود لا يزالون في قطاع غزة. ويشعر الضباط بالقلق من تقديم وعود كاذبة بشأن الوقت الذي سيتمكنون فيه من لم شملهم مع عائلاتهم، لأن ديناميكيات الحرب تقضي على إمكانية التنبؤ.
وحتى لو سمح لهم بالعودة إلى ديارهم، فهي مسألة وقت قبل أن يتم استدعاؤهم مرة أخرى، وربما هذه المرة سيتم نشرهم في الشمال لمواجهة حزب الله، أو في الضفة الغربية للتعامل مع العديد من الخلايا في جنين وإسرائيل. بحسب المصدر نفسه.
الثمن الاقتصادي..272 مليون دولار يوميا
بعد جدولة كل جانب من جوانب الحرب حتى الآن، وصلت تكلفة القتال إلى حوالي 60 مليار دولار. ويشمل ذلك ميزانية الحرب نفسها، فضلا عن مختلف أشكال المساعدات المالية لكل مدني بدأ دخله يتضاءل بسبب الصراع.
وفي هذا الصدد، ذكرت "يديعوت أحرونوت" أن اليوم الواحد يكلف الجيش الإسرائيلي حوالي 272 مليون دولار. حيث يتقاضى كل جندي احتياطي 82 دولارًا يوميًا، ليصل إجمالي هذه المدفوعات وحدها 2.5 مليار دولار.
وتتوقع ميزانية إسرائيل عجزا قدره 30 مليار دولار كما هو، الأمر الذي سيتطلب تخفيضات في الميزانية وزيادة الضرائب بما يصل إلى أكثر من 18 مليار دولار، وهو ما سيتم الشعور به بشدة من حيث نوعية الحياة وانخفاض الخدمات للجمهور الإسرائيلي ككل.
وعلى الجبهة المدنية، بلغت التعويضات بالفعل عشرات المليارات، لكن هذه التعويضات بدأت تتضاءل مع تأقلم الجمهور الإسرائيلي تدريجيا مع "روتين زمن الحرب".
ومن المقرر أن تحصل الشركات التي انخفض دخلها بشكل كبير على تعويض قدره 2.7 مليار دولار عن تلك الأشهر الثلاثة.
ومن الواضح أن جزءا كبيرا من الضرر قد لحق بالكيبوتسات المحيطة بالقطاع، حيث تقدر الأضرار بحوالي 5.5 مليار دولار. والآن يتكشف الأمر نفسه في الشمال، مع حملة القصف المتواصلة التي يشنها حزب الله، حيث تبلغ الخسارة المالية ما يقرب من 1.6 مليار دولار.
ويبلغ عدد السكان الذين تم إجلاؤهم، من الشمال والجنوب، حوالي 125 ألف شخص، والعناية بهم تكلف المليارات بالفعل.
تعليم مرتبك
الجبهة التعليمية هي الأخرى تأثرت بمجريات الحرب الدائرة في غزة، في ظل محاولات الطلاب الذين انتقلوا من الجنوب والشمال، التأقلم من جديد مع بيئات مختلفة تمامًا، مما جلب نوعًا من التحديات العقلية التي قد يكون بعضهم غير مجهز لمواجهتها.
فضلا عن العديد من الطلاب الذين بقوا في منازلهم، وآخرون لجأوا إلى التعلم عن بُعد، فيما اضطر العديد من المعلمين إلى إيقاف حياتهم التعليمية مؤقتًا عندما تم استدعاؤهم للخدمة الاحتياطية.
مجتمعات على حافة الهاوية
مع اكتظاظ الفنادق بالعائلات التي تم إجلاؤها، أصبحت هذه الأماكن بمثابة أواني طهي بالضغط، حيث تستمر المشاكل في التصاعد، ويضطر العديد من الأشخاص إلى العيش في أوضاع غير مريحة للغاية، ويشعرون بالغضب المتزايد، بحسب التقرير نفسه.
وتقول يديعوت أحرونوت، إن الاضطرار إلى التجمع في غرف الفنادق مع الأطفال الصغار أصبح أمرا مرهقا بشكل لا يصدق، ومن المرجح أن يستمر الشعور بالعواقب العقلية لفترة طويلة قادمة.
وتشير إلى أن السلطات تدرك الآن تماما إمكانية انهيار مجتمعات بأكملها، حيث سيختار الكثيرون عدم العودة إلى ديارهم حتى بعد أن تتوقف الحرب.
وبذلك، قد تكون مستويات الهجرة من الكيبوتسات الجنوبية غير مسبوقة، مما قد يؤدي إلى اختفاء بعضها تمامًا.
ويمكن رؤية توقعات مماثلة إلى حد ما في منطقة الجليل في شمال إسرائيل، حيث يقيم الآن عشرات الآلاف في الفنادق، وقد أدرك البعض بالفعل أنهم لن يعودوا قبل بضعة أشهر على الأقل، حيث إنهم يتكيفون مع حياة جديدة، مع أنظمة تعليمية غير مألوفة ووسائل بديلة للتوظيف.
الضغط الدولي
لقد أحدث السابع من أكتوبر مشهداً جيوسياسياً متغيراً لا تزال إسرائيل تتأقلم معه. فمن ناحية، أصبح التمييز بين أصدقاء إسرائيل الحقيقيين والأصدقاء السياسيين المناسبين لها واضحاً.
وفي هذا السياق، تلفت الصحيفة إلى أنه على الرغم من موقف الولايات المتحدة الداعم لإسرائيل منذ بداية الحرب، إلا أنها أقرت بوجود انقسام عالمي، وحملات ضغط على إسرائيل مع استمرار الحرب ووقوع المزيد من الخسائر البشرية في قطاع غزة، ناهيك عن الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية.
وأسفرت الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة بلا هوادة، عن سقوط عشرات الآلاف من القتلى في صفوف الفلسطينيين، وتدمير أحياء سكنية بالكامل، ونزوح أكثر من مليون ونصف المليون شخص من مناطق سكناهم، وسط أزمة إنسانية فاقمت أوضاع المدنيين الصحية والمعيشية.