وباء وأوكرانيا وغزة وعدم اليقين.. هشاشة اقتصاد العالم تتمدد (تحليل)
منذ 2020 حين هاجم وباء كورونا العالم مرورا بحرب أوكرانيا وصولا لحرب غزة، تسيطر حالة من عدم اليقين على العالم مما يزيد من هشاشة الاقتصاد.
وبحسب تقرير مطول لنيويورك تايمز فإنه بعد الصدمات الناجمة عن الوباء والحرب في أوكرانيا، فإن خطر نشوب حرب أوسع في الشرق الأوسط يهدد الاقتصاد العالمي "الهش".
ولا تزال المخاوف من احتمال تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى صراع إقليمي تلقي بظلالها على آفاق الاقتصاد العالمي، وتهدد بإضعاف النمو وإعادة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.
ووفقا للتقرير، فإن الدول الغنية والفقيرة كانت قد بدأت للتو في التقاط أنفاسها بعد سلسلة من الصدمات الاقتصادية استمرت ثلاث سنوات، بما في ذلك جائحة كوفيد 19 وحرب أوكرانيا، حيث انخفض التضخم القاسي، واستقرت أسعار النفط وتم تجنب الركود المتوقع، لكن الآن تحذر بعض المؤسسات المالية الدولية الرائدة ومستثمري القطاع الخاص من أن التعافي الهش قد يتحول إلى وضع سيئ.
صدمتان متزامنتان
إنديرميت جيل، كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، قال "هذه هي المرة الأولى التي نتعرض فيها لصدمتين للطاقة في نفس الوقت"، في إشارة إلى تأثير الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط على أسعار النفط والغاز.
ولا تؤدي هذه الزيادات في الأسعار إلى تقليص القوة الشرائية للأسر والشركات فحسب، بل تؤدي أيضا إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الغذاء، مما يزيد من مستويات انعدام الأمن الغذائي المرتفعة، لا سيما في البلدان النامية مثل مصر وباكستان وسريلانكا.
وفي الوقت الحالي تعاني الدول بالفعل من مستويات مرتفعة بشكل غير عادي من الديون، والاستثمارات الخاصة المتعثرة، وأبطأ انتعاش في التجارة منذ خمسة عقود، مما يجعل من الصعب عليها أن تنمو طريقها للخروج من الأزمة، ووفقا لجيل فإن ارتفاع أسعار الفائدة نتيجة جهود البنوك المركزية في ترويض التضخم، جعل من الصعب على الحكومات والشركات الخاصة الحصول على الائتمان وتجنب التخلف عن السداد.
وقال "كل هذه الأشياء تحدث في نفس الوقت"، "نحن في واحدة من أكثر المراحل هشاشة بالنسبة للاقتصاد العالمي".
ويؤيد تقييم جيل تقييمات محللين آخرين، ففي الشهر الماضي قال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورجان تشيس، إن "هذا قد يكون أخطر وقت شهده العالم منذ عقود من الزمن"، ووصف الصراع في غزة بأنه "الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للعالم الغربي".
مشاكل تغذيها الصراعات المستمرة
وقال إن المشاكل الاقتصادية الأخيرة غذتها الصراعات الجيوسياسية المتعمقة التي تمتد عبر القارات والتوترات بين الولايات المتحدة والصين بشأن نقل التكنولوجيا والأمن لا تؤدي إلا إلى تعقيد جهود العمل معًا لحل مشاكل أخرى مثل تغير المناخ أو تخفيف الديون أو الصراعات الإقليمية العنيفة.
وتعني الانشغالات السياسية المهيمنة أيضاً أن الأدوات النقدية والمالية التقليدية مثل تعديل أسعار الفائدة أو الإنفاق الحكومي قد تكون أقل فعالية.
جيسون بوردوف، مدير مركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا: يقول "إنه وضع متقلب للغاية وغير مؤكد ومخيف". ولكن هناك "اعتراف بين معظم الأطراف، الولايات المتحدة وأوروبا وإيران ودول الخليج، "بأنه ليس من مصلحة أحد أن يتوسع هذا الصراع بشكل كبير خارج إسرائيل وغزة". وأضاف أن الأخطاء وسوء التواصل وسوء الفهم يمكن أن تدفع الدول إلى التصعيد حتى لو لم ترغب في ذلك.
والانخفاض الكبير والمستدام في المعروض العالمي من النفط -أيا كانت الأسباب- يمكن أن يؤدي في الوقت نفسه إلى إبطاء النمو وتأجيج التضخم، وهو مزيج ملعون يعرف باسم الركود التضخمي.
أما جريجوري داكو، كبير الاقتصاديين في EY-Parthenon، فيقول إن السيناريو الأسوأ الذي يتسع فيه نطاق الحرب قد يتسبب في ارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولارا للبرميل، من حوالي 85 دولارًا حاليًا، وحذر من أن "العواقب الاقتصادية العالمية لهذا السيناريو وخيمة"، مستشهدا بالركود المعتدل وانخفاض أسعار الأسهم وخسارة الاقتصاد العالمي بقيمة 2 تريليون دولار.
حالة من عدم اليقين
ويسود الآن حالة من عدم اليقين، الذي يؤثر على قرارات الاستثمار ويمكن أن يثني الشركات عن التوسع في الأسواق الناشئة. فقد ارتفعت تكاليف الاقتراض بشكل كبير جدا، ومن المتوقع أن تواجه الشركات في العديد من البلدان، من البرازيل إلى الصين مشاكل في إعادة تمويل ديونها.
في الوقت نفسه، شهدت الأسواق الناشئة مثل مصر ونيجيريا والمجر بعضا من أسوأ الندبات الناجمة عن الوباء، وفقًا لشركة أكسفورد إيكونوميكس الاستشارية، مما أدى إلى نمو أقل مما كان متوقعا.
ومن الممكن أن يؤدي الصراع في الشرق الأوسط وكذلك الضغوط الاقتصادية إلى زيادة تدفق المهاجرين المتجهين إلى أوروبا من تلك المنطقة وشمال أفريقيا. ويخوض الاتحاد الأوروبي، الذي يتأرجح على حافة الركود، مفاوضات مع مصر بشأن زيادة المساعدات المالية والسيطرة على الهجرة.
وتعاني الصين، التي تحصل على نصف وارداتها النفطية من الخليج العربي، من انهيار في سوق العقارات ومن أضعف نمو لها منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.
وعلى النقيض من ذلك، أربكت الولايات المتحدة المتنبئين بنموها القوي. وفي الفترة من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول، نما الاقتصاد بمعدل سنوي يقل قليلاً عن 5%، مدعوماً بتباطؤ التضخم والمدخرات المخزنة والتوظيف القوي.
والمنطقة ذات التوقعات الأكثر قتامة هي منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، حيث من المتوقع أن ينخفض إجمالي الناتج هذا العام بنسبة 3.3 في المائة، حتى قبل اندلاع القتال في إسرائيل وغزة. وقال إم أيهان كوس، الذي يشرف على تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية السنوي الذي يصدره البنك الدولي، إن الدخل في المنطقة لم يرتفع منذ عام 2014، عندما انهارت أسعار النفط.
وقال كوس في مقابلة: "لقد شهدت منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا بالفعل عقدًا ضائعًا". والآن "فكر في عقد ضائع آخر".
وأضاف أنه فيما يتعلق بأسواق الطاقة فإن ما "يحدث في الشرق الأوسط لن يقتصر في الشرق الأوسط بل ستكون له آثار عالمية".
aXA6IDE4LjIyNi4yMjYuMTUxIA== جزيرة ام اند امز